سعيا لإنارة الطريق إلى مسرح متجسد على أرض الواقع كنا على موعد مختلف مع الكثير من الجمال والإبداع في مهرجان الفرق المسرحية الأهلية الأول الذي نظمته جمعية المسرحيين السعوديين بمشاركة ست فرق مسرحية كخطوة بارزة في مسيرة الجمعية نحو تعزيز الفن المسرحي للفرق المسرحية الأهلية ولا بد هنا من الإشادة بكل القائمين على فكرة المهرجان في المقام الأول ولفتح باب المسرح ليكون فاعلا وحاضرا في نمط الثقافة لدينا. وفي الحقيقة إن الزمن الطويل الذي مضى ولم يكن فيه المسرح حاضرا كثقافة حية على أرض الواقع هو وقت عقيم ويشكل خسارة فادحة على المستوى المعرفي والجمالي للفن المسرحي، كان يجب أن نكون متقدمين بمراحل كبيرة على مستوى الحركة المسرحية وأن لايغيب هذا الفن كل هذه السنوات العجاف باعتبار المسرح هو أبو الفنون وأقدمها وعالم قائم بذاته بل هو أحد أهم الأشكال التعبيرية التي تعبر عن ثقافات الشعوب وفكرها ووعيها الجمعي. إن تغييب المسرح كأهم حراك إنساني على مستوى الثقافة الحركية هو خسارة حقيقية حيث غياب الممارسة المسرحية ليس إلا غياب لرسالة إنسانية سامية قادرة على توجيه جيل بأكمله. فالمسرح هو مشروع قومي لايحتمل التجاهل والتغييب.
لن يظل المسرح بعد اليوم قصرا على النخبة وسيكون متاحا للجميع هذا ما يبشرإليه مهرجان الفرق المسرحية الأهلية الأول الذي عبر عن وجوده وتعزيزه للثقافة المسرحية والتجربة الإنسانية المختلفة التي يخلقها ويصنعها العمل المسرحي وهي خطوة بارزة تحسب لوزراة الثقافة والإعلام ولجمعية المسرحيين السعوديين الذين جعلونا فخورين بهم إلى حد الابتهاج. حيث قدمت الفرق المسرحية الأهلية مستوى جماليا متقدما في العروض والنصوص وتوظيف الحداثة المسرحية بشكل قادر على الارتقاء بالمسرح المحلي الأهلي فالبرغم من غياب البنى التأسيسية للمسرح وغياب الجمهور على المستوى العام فإن ما قدمته الفرق المسرحية قادرا على النهوض بالعمل المسرحي وظهور صناع مسرح يبشر بظهور حركة مسرحية جادة وثقافة مسرحية جديرة بالدعم من قبل المؤسسات الخاصة والرسمية.
أطلقت الفرق المسرحية الأهلية رؤيتها بشكل منفتح بعيدا عن العفوية والجمود ووظف الجميع إمكاناتهم في أنساق تعبيرية جديدة ومختلفة قام بها الأطراف كافة من كاتب النص، إلى المخرج، إلى المسرحيين الذين يقومون فعليا على طرح تجربتهم المسرحية بقدرات عالية وقدموا جمالا مسرحيا خاصا بل إنهم شكلوا فعليا بدايات صناعة المشهد المسرحي لدينا في منظومة محلية رائعة أعادت تشكيل أحلام ورؤى المسرحيين السعوديين الذين عملوا بصمت وحب من أجل أن يتحقق الحلم وتفتح أبواب المسرح لتكون أحد أهم المعطيات الثقافية لدينا حيث لا تنقصنا الإمكانات العملية والمادية باستثناء الإيمان بالمسرح كأرقى الفنون والتوقف عن مقاومة هذه الظاهرة الثقافية وتغريبها.
لم يخلو اليوم الأول لبداية إنطلاقة المهرجان من التفاتة ودعم وزارة الثقافة والإعلام حيث كان افتتاح المهرجان مميزا ومختلفا بحضور وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان ومدير عام المهرجان الاستاذ أحمد الهذيل وكافة القائمين على فعاليات المهرجان جميعا حيث كان كل شيء رائعا ومنظما ويدل على جهود تستحق التقدير والإشادة للجميع والذين عملوا بصمت من أجل أن نحظى بكل ذلك الإبداع المسرحي طوال أيام العروض المسرحية والقراءات النقدية.
رافق أيام العروض المسرحية قراءات نقدية يومية جادة تنم عن وعي إزاء مسألة اللغة في الإبداع المسرحي وأهمية قراءة التجربة المسرحية بقدر كبير من التوجيه والتأسيس لرؤية واضحة فيما يتعلق بالمسرح كفعل ثقافي. كما عمل القائمون على المهرجان بإصدار نشرة ثقافية تحت مسمى « المشهد « في محاولة جادة لخلق ما يعرف بثقافة المسرح كانت بمثابة دليل ثقافي توافق مع الأيام الستة التي كانت مسرحا ابداعيا بكل أبعاده. ويظل المسرح «تجليا إبداعيا مسموعا مرئيا محسوسا» لا يكتمل بارتفاع ستارة المسرح بل يكتمل بوجود الجمهور الذي يؤمن بالمسرح كجمالية ثقافية وإنسانية وحتما سيأتي هذا الجمهور الذي بات تفاعله أكثر نضجاً وتفاعلا في التعاطي مع الفن المسرحي كقيمة كبرى وحينها لن نتوقف عند المشهد الأول وستستمر تضاء فوانيس المسرح في كل مدينة.
273-
salmoshi@gmail.com
* الرياض