المرحوم الأستاذ: ناصر الدير النشاشيبي صحفي كبير وكاتب قدير، فلسطيني مقدسي، وعروبي قومي، صال وجال في الصحافة العربية حتى وفاته قبل سنوات، بدأ من مصر وزامل فيها عمالقة الصحافة كالتابعي ومصطفى وعلي أمين وهيكل وغيرهم، بل وصل وهو القادم إلى مصر - شهرة وموهبة - أهّلته ليكون رئيساً لتحرير جريدة الجمهورية لسان حال الثورة المصرية الوليدة!.
له من الكتب الصادرة أكثر من ثلاثين، كتبَ في السياسية وفي الفن وفي القضية الفلسطينية، ورأس مجلة (الشرقية) لسنوات طويلة، كما كتب ذكرياته وأسراره عن الرؤساء والملوك ورؤساء الوزارات والوزراء الذين قابلهم بحكم عمله الطويل في الصحافة، وهو يكتب ببيان مشرق، وأسلوب مشوق، ولغة سليمة، واحتراف ظاهر، إنه يشبه التابعي أو مصطفى أمين أو هيكل في غزارة الإنتاج ومعرفة الأسرار والشهرة، والمرحلة التاريخية التي عاشوها وكانت حافلة، بل صاخبة في حياة الأمة العربية.
كتابه الجميل (نساء من الشرق الأوسط) السياسة اسمها امرأة! كعنوان جانبي، يشدك إليه ويمتعك ليس بطلاوة أسلوبه، بل بالكم الكبير من الأسرار والمعلومات الخاصة عن حياة مشاهير من الطبقة المخملية التي عاشت عصرها تحت الأضواء، وفي البحبوحة والرغد والحفلات والسهرات، والمجون والخيانات... إلخ
يبدأ كتابه الفضائحي النادر بقصص واقعية عاصرها وعرفها عن قرب، بدءاً بعبلة (السيده اللبنانية الجميلة) مروراً بجورج أنطونيوس (صاحب كتاب يقظة العرب) الذي كان يتجسس للإنجليز على المفتي (أمين الحسيني) كما يقـول المؤلف، إلى (قوت القلوب، الدمرادشية) التي التقى بها في حفلاتها الصاخبة التي تقيمها لعلية القوم في مصر عام 1946م، إلى (فيكي) (فكتوريا حكيم) ممرضة ملك العراق فيصل الأول الطارئة، وكانت يهودية مصرية رافقت الملك المريض عندما مرّت باخرته المتجهة لأوروبا بميناء الإسكندرية بعد أن التقطها (رستم حيدر) الذي وقع في حبها وضمها للحاشية الملكية وعندما قابلها النشاشيبي في مرضها القاتل، روت له أسراراً لم تُنشر عن وفاة الملك، وكيف مات بفعل أدوية دُست له؟!
وباحت بسر السفير البريطاني في جنيف الذي نفذ أمر حكومته، وتواطؤ رئيس الديوان الملكي العراقي (رستم حيدر) في سرّ الحقن والأقراص التي أودت بحياة ملك ذكي ومحبوب ووطني - ربما قبل الأوان!
وفي الكتاب أشياء أخرى كثيرة وسرية عن نساء لامعات كسميحة بنت الصحراء (سميرة خاشقجي) والملكة الأردنية الهاشمية المثقفة (دنيا)، وحفيدة الشاعر الكبير الوطني (البارودي) التي أصبحت عشيقة للجنرال الأجنبي؟!
وقصة (كلير) امرأة وأكثر من فاروق واحد!... إلخ
كتاب يستحق القراءة حقاً، ويمنح المتعة والفائدة، لسيدات ورجال عاشوا في الأضواء والشهرة والمال، ومات بعضهم موتاً مؤسفاً أو مؤلماً! وهكذا الدنيا (قلّب) وما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع! كما أن السرور لا يدوم .. وكذلك الحزن، والفقر أو الموت يسقط النجوم البشرية من عليائها؟! ويحطم كبرياء المتكبرين، وينهي حياة المتغطرسين.
يقول المؤلف في المقدمة:
[عندما تخْرج المرأة من عالمها الصغير، وتصبح منافساً للرجل في عالمه الواسع، يصبح من حق أي كاتب أن يتصدى لها بالسرد والعرض والنقد والتحليل].
ويختم كتابه الشيق - الذي طبع للمرة الأولى في لندن عام 2002م في 188 صفحة - بقوله:
[وبعد.. هذه ليست تراجم عشر نساء من أهل الشرق الأوسط، وإنما هي لمحات خاطفة.. ولقطات سريعة، وصور مستعجلة، وملامح قصيرة، عن عشر نساء... أرجو صادقاً أن لا أكون قد أسأت إلى أحد من حيث لا أدري وأقول للمؤلف المرحوم: ما قصّرت!؟!
جدة