«إن الأبيضَ والأسودَ ليسا بلونين أصلاً، إنما هما سلبُ الألوان».. يوسف زيدان
* بأناقةٍ... أحاول الكتابة، ورغماً عني ألاحظ أنني بدأت جملتي الأولى بجارٍ ومجرورٍ، بغض النظر عن كل اللاءات التي كانت تمطرنا بها مدرسة اللغة العربية حول عدم جواز البدء بهما، ومع هذه الأناقة إلا أنني غالباً أعتمد لوناً واحداً (الأسود)، كأني أدفع الألوان المشاغبة التي تزيّن دفتر تحضيري لأقضي بها على قتامة المنهجِ وبلادة الأهداف السلوكيةِ (التي تكتب بشكلٍ آليٍ ولا يلقي أحدٌ إليها بالاً لا المدرس ولا المفتش!)... مالي أستطرد كثيراً؟ أتراه تأثير الجاحظ الذي وصفه أحدهم بأنه معلمي؟!!
* قد لا أحتاجُ عمى المعرّي ليبقى الأحمر آخر تجليات اللون في ذاكرتي، فقد ظلّ دوماً رفيقي في تصحيح الأخطاء أو لرسم نجومٍ صغيرة ووجوهٍ مبتسمة دلالة الرضا في كتابات طالباتي، وارتبط بالتفاحةِ المسمومةِ التي غصّت بها «بياض الثلج»، فغابت عن الوعي، واليوم يصير أهمَ ملمحٍ من ملامح وطني الجريحِ، فلا يكفيه كل «بُــن» العالم لوقف نزيفه المجنون!
* غريبٌ هذا الأحمر!! يعلق بذاكرة شيخ المعرّةِ على هيئة ثوبِ علّته، ويتنكّر لبورخيس فيكون عصياً قصياً، ويظلّ نقّاش أورهان باموق يحلم به ليبقى هو اللون الأوحد في خياله بعد أن يدخل ظلمات العمى، فيتحول إلى لون الموت والنعيم معاً! وربّما ارتبط بذاكرتنا الحكائية بليلى «ذات الرداء الأحمر» التي جسّدت الثلاثية اللونية بكون
[الأبيض هو اللا لون، الأسود هو المتسخ، والأحمر هو اللون] ويغري الأحمرُ «كارين» في الحكاية الدانماركية على هيئة حذاءٍ ينقذها من الموت برداً، ثم يسلّمها إليه حين عجزت عن التوقّف عن الرقص في ازدواجيةٍ عجيبةٍ!
* اتّخذ الموتُ الأحمرَ لوناً له لدى حاتم الطائي في قصيدته التي بيّن فيها مذهبه في الحياة، وجعله عمرو بن كلثوم والمهلهل التغلبي لوناً للنصر والثأر الذي تزدهي به الرايات وتشفي به النفوس غليلها من كل معتدٍ أثيم! وورثْنا ذلك كلّه في أعلام دولنا العربيةِ - إلا ما ندر - اقتفاءً برباعية صفيّ الدين الحلّي اللونية التي لم يبقَ لنا منها سوى الألفاظ إن لم نبالغ فنقول إن التراكيب اللونية قد تبدلّتْ مواضعُها ولا شك «وللقارئ الحريةُ في اللعب بالثنائيات» !!
* يظلّ للأحمر سطوةٌ طاغيةٌ، فهو»يصدم ويشلّ» كما يرى كويلهو، وهو لون إشارة المرورِ التي تجبرك على التوقّف، والخطّ الذي لا يُسمح لك بتجاوزه، أو لونُ الثورةِ التي تتجاوز الخطوط والحرية التي لا تكون بسواه، ويدورُ يدورُ حتى إذا ما زارك في حلمك، أبطل كلّ ما رأيتَ وصار منامك هباءً منثوراً، وفي غمرةِ هذه السلطة تجد أحدهم يقول مترنماً:
فإذا ظهرْتِ، تقنّعي
بالحمرِ، إن الحسنَ أحمرُ!
القاهره