مصابيح القرى».. اللغة ليست كل شيء!
يقدّم الروائي خالد المرضي روايته الأولى «مصابيح القرى» الصادرة عن أدبي الباحة بالتعاون مع دار الانتشار العربي ببيروت بوصفها نموذجا جيدا للغة السردية الوصفية التي تحمل معالم السرد الحقيقي بامتياز، وستتلاشى دهشة الملتقى إزاء هذه اللغة إذا ما عرف بأن الروائي هو قاص قبل أن يكتب روايته هذه، فهو يملك الدربة على الحكي، ولكن هذه الدربة مشروطة دائما بأن تكون مقنعة، فاللغة التي كتب بها المرضي لغة فارهة جدا، مناسبة لأجواء الرواية، وتنبئ بأنه يستطيع أن يخرج من مطبات التجربة الروائية الأولى في أعماله القادمة.
لكن ينبغي أن نسأل: هل اللغة وحدها قادرة على صناعة عمل أدبي جيد؟، هذا السؤال يقودنا إلى الحفر أكثر لنفهم معنى العمل الأدبي، فالأدب ليس أن تكتب بلغة جيدة وكفى، إنما أن تستوفي جوانب الجمال كلها في العمل إذا أردت أن يكون عملا جيدا، بينما هو في هذا العمل لم يستوفِ جوانب الجمال جميعها في تصوري.
صحيح أنه ذكر المكان في الرواية بشكل عميق جدا وأعطانا صورة جيدة عنه، وصحيح أنه كتب العمل بلغة فاتنة وجميلة، بلغة تشبه أن تقدّم هدية لأحدهم مغلفة بشكل فاتن، لكنك بعد أن تنتهي من الرواية تستطيع أن تطرح على نفسك سؤالا آخر: هل دمج مجموعة قصص في كتاب واحد يمكن أن تكون رواية في آخر المطاف؟، ويمكنك أن تجيب ببساطة: نعم، إذا ما كانت مترابطة بشكل جيد؛ لذا أعتقد بأن المرضي كتب الرواية بروح القاص وليس الروائي، لأننا نقرأ في الرواية فصولا هي عبارة عن قصص عن القرية تفتقد في بعض المراحل لشيء من الترابط، إضافة لوجود بعض الفصول التي تشكّل حشوا زائدا ليس لها مبرر داخل العمل، فلو تنازل عنها الكاتب فلن يؤثر حذفها على بنية النص الرئيسية.
إن غياب المغامرة الجمالية كان حاضرا في النص، رغم إيماني بأننا نستطيع أن نقدم مغامرة جمالية بتناول النص أثناء الفعل الكتابي نفسه، لكن الروائي في رواية «مصابيح القرى» لم يقدم هذا الشرط في عمله، رغم أنها تجربة جيدة كونها الرواية الأولى له، لكنه كان مشتتا في النص بطريقة تدعو للغرابة، فهو يقتل أبطاله بطريقة غير منطقية أحيانا، ولا يبرر هذا الموت، إضافة إلى أنه لم يعط الموت الجانب الأكبر من البعد المأساوي الذي يحدث بعدما يحصل فعل الموت نفسه، ففجأة تموت «حسنة» إحدى شخصيات الرواية دون أي مبرر، وكأنه يحاول أن يتخلص منها لينتقل لفكرة أخرى، وأيضا يموت «الأستاذ فوزي»، وتأكل الضباع جسده دون أي مبرر، وبلا سياقات تبرر هذا الموت سوى سطر يذكره الكاتب عرضا، ولا يعرّج على هذا الحدث المهم كون «فوزي» أحد الأبطال الرئيسيين في العمل، فحدوث أمر ما لشخصية رئيسية داخل أي عمل روائي ينبغي أن يكون مبررا من جهة، ويكون مقنعا من جهة أخرى، ويكون له مسوّغ داخل النص، وليس معناه أن يدفع الكاتب بأبطاله للموت إذا انتهى من رغبته في وجودهم، أو لم يعد لهم أي داع في الرواية.
من جهة أخرى ينبغي ألا نغفل الحوار في هذا العمل، فهو ممتاز من جهة أنه كان يأتي بلغة بيضاء مفهومة للجميع، وهذا ما أعتقد بأنه الحوار الأمثل في الفن الروائي عموما، بحيث لا يكون بلغة عامية ربما لا تفهم في أماكن كثيرة في العالم العربي، ولا تكون فصيحة بحيث لا تناسب وعي الشخصيات في كثير من الأحيان، ففي النهاية الشخصيات الروائية لها وعيها وفكرها الذي ينبغي أن يحترمه الكاتب حينما يكتب.
إن رواية «مصابيح القرى» التي تحكي قصة قرية في جنوب المملكة، بكل تداعيات القرى وطقوسها وذكرياتها وبساطتها وهمومها، إضافة للظروف التاريخية لقرى جنوب المملكة التي مرت بالغزو التركي في فترة من الفترات، وما كان له من تأثير في تشكيل الذاكرة التاريخية لدى الأهالي، وما قاموا به في التصدي لهذا الظرف التاريخي، هي رواية جيدة كونها التجربة الأولى للكاتب، لكن ينبغي أن نفهم جيدا بأن الفن الروائي لابد أن يكون مقنعا حينما يضع الكاتب آخر نقطة في العمل ويقوم بدفعه للمطبعة.
Alwan_mohd@hotmail.com
تبوك