عادة من يقوم..[بالتغيير].. أو..[الثورة].. هم.. ((الطلائع)).. المثقفة من الشعب، وليس كل الشعب ،فالطلائع قد تكون عشرة أو مائة، وقد تكون مليون حسب كثافة سكان الأمة. فالطلائع مثلها مثل..(المأثور).. الذي يولد الحركة. وعادة ما تصطدم هذه الطلائع المثقفة مع السلطة. وهذه..[الطلائع].. قد تقوم بطلب تحقيق مطالب.. ((سيادية)).. مثل خلع رأس الدولة، أو عدم تمكين المستحق للحكم من الحكم. وهناك مطالب.. ((سياسية)).. تطلبها الطلائع المثقفة مثل إعادة توزيع مناصب الدولة. وفي ظني أن المطالب.. ((السيادية)).. ليس من حق كل مواطن أن يطالب بها، ولكن المطالب السياسية حق مشروع ويمكن ممارسته دون أن يترتب عليه توابع وخسائر كبيرة في الأرواح والأموال. وإتلاف وتدمير والمكتسبات العامة والخاصة.
و.. ((التغيير)).. السياسي مارسه العرب المسلمون بداية من مقتل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه خليفة المسلمين الثالث. وذلك حين استغل ذلك القتل والي الشام من قبل سيدنا عمر ابن الخطاب وهو سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وبدأ في التفكير..[بالانقلاب].. أو..(الثورة).. لتكوين دولة بديلة عن دولة الخلافة الراشدة. أن معاوية بن أبي سفيان ذلك المثقف القرشي، كاتب الوحي، شكل معه طلائع للتغيير وتأسيس الدولة الأموية، وكان لهم ذلك.
واستمرت بعده الدولة الأموية حتى تقلد عبدالملك بن مروان مقاليد الحكم الأموي، فهو لا يكاد يسد باباً للشر هنا إلا انفتحت عليه هناك للشر أبواب. وقامت الفتن والثورات فثار عليه الكثير فمثلا في الحجاز خرج عليه سيدنا عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما مطالباً بالخلافة، وفي العراق خرج مصعب بن الزبير رضي الله عنهما. وخوفاً من بوادر الضعف والتفكك في الدولة. فوقع اختياره على احد الطلائع من بني ثقيف وهو الحجاج بن يوسف الثقفي، قارئ وحافظ القران المجيد، والمثقف العربي الداهية. وفي اعتقادي أن لهذا المثقف العربي الفضل الأول في استقرار أمن الدولة الأموي. فكان الحجاج عاملا مهماً في سيرة الدولة الأموية.
ثم يأتي دور تأسيس الدولة العباسية على يد بعض الطلائع المثقفة دينياً مثل الإمام إبراهيم بن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس، إمام الدعوة العباسية في قرية (الحميمة) واختار معه من خيرة الطلائع المثقفة المثقف الفارسي الشهير باسم أبو مسلم الخراساني، والذي غير الإمام إبراهيم اسمه عند بداية تأسيس الدولة من ابن اسفنديار إلى عبدالرحمن بن مسلم وستكنى بابي مسلم، فلقد اشتهر بالرأي والتدبير، والدهاء والعقل والتصميم. وعندما شعر الخليفة العباسي السفاح وأخيه أبو جعفر المنصور دبرا عملية لقتله، وعندما قدم أبو مسلم للسفاح في قصر الحكم تراجع السفاح وقال لخادمه الخاص: ((اذهب إلى أخي أبي جعفر في الحجرة المجاورة، فقل له: إن الذي بينك وبين أمير المؤمنين قد ندم عليه، فلا تفعله)). ولم يقتل السفاح أبو مسلم، ولكن فعلها أبو جعفر المنصور وقتل القائد أبو مسلم الخراساني، والذي كان أحد أهم الطلائع المثقفة لتأسيس الدولة العباسية.
ثم يأتي الخليفة الأموي عبدالرحمن الداخل أو المشهور..[بصقر قريش]..، هذا الرجل المثقف استطاع أن يجمع حوله بعض الطلائع الأموية لإعادة تأسيس الدولة الأموية. في الأندلس.
ونعود لدور الطلائع المثقفة في عملية.. ((التغيير)).. في القرن العشرين الميلادي، فلو أردنا أخذ أمثلة مركزة من التجارب العربية الحديثة، فنجد مثلا في تونس أن المثقف التونسي الحبيب بورقبية قاد الطلائع التونسية المثقفة للتغيير وإخراج المستعمر الفرنسي، وكذلك الطليعي المثقف الجزائري أحمد بن بيلا الذي قاد مع مجموعة من الطلائع المثقفة الجزائرية لتغيير الوضع في الجزائر وتحريرها من المستعمر الفرنسي، وفي سوريا نجد الكثير من الحركات التغييرية التي قادتها الطلائع السورية. فحافظ الأسد الذي قاد طلائع مثقفة من الجيش عندما كان وزيرا للدفاع للقيام بالتغيير في سوريا، وكذلك هذا وضع اليمن حين قادت بعض الطلائع العسكرية حركة التغيير والانقلاب على الملكية، وكذلك حركة التغيير الانقلابية التي حدثت في مصر يوم 23 يوليو 1952م بقيادة الصاعْ جمال عبدالناصر مع مجموعة الضباط الأحرار وهم من طلائع الجيش المثقفة. وكذلك ما وقع في ليبيا والسودان والعراق والصومال، كلها.. ((تغييرات عسكرية)).. دفعت القرار العربي أن يكون عسكرياً، فيما عدا الانقلاب الأبيض الذي قام به أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حين انقلب على والده وأبعده من الحكم وقاد البلاد إلى حركة تغيير جذرية نقلت قطر لمصاف الدول الجيدة والعصرية.
احتاج أن أقول من خلال هذا العرض التاريخي السريع لعملية..[التغيير].. في المنهج السياسي العربي الإسلامي، إن ذلك التغيير قادته طلائع مثقفة من الشعب. ولكن ما نشاهده اليوم في هذه..[الانتفاضات].. أو.. [الثورات].. كما يحلو أن يسميها أصحابها، خرجت من يد الطلائع المثقفة العاقلة والمتحكمة في قرارها، والتي تعرف ما تريد تحقيقه من عملية التغيير. إلى مجاميع من الشباب المرتبك والمستعجل والمتهور، أضاعت الوطن والمواطن.
فاليوم ما تقوم طلائع هذا القرن الحادي والعشرين هو ليس..[تغيير].. بقدر ما هو
.. ((انتقام)).. و.. ((تشفي)).. و.. ((تصفية مواقف))، والركض وراء السلطة، وتحقيق الأهداف الشخصية والمطامع والمطامح الذاتية، وخير دليل ما يقع في جمهورية مصر العربية. لم يعرف الثوار ما يريدون؟. وكيف يريدون؟. ومتى يريدون؟. وكل يوم هم في شأن ومطالب جديدة لدرجة أنهم لم يفرقوا بين..[المطالب السيادية].. و..[المطالب السياسية].. لمصر.
هذا الطلائع المصرية لم تفهم جيداً، ولم تستوعب حقيقة أن الديمقراطية تخلق
.. ((ثقافة التغيير)). والتي تعمل على بقاء الديمقراطية واحترامها للعدالة الاجتماعية، واحترام العادات والتقاليد الوطنية مثل: احترام رموز الدولة، واحترام نتائج صندوق الانتخابات، واحترام الطابور أثناء عملية الانتخابات، تلك الثقافة هي..[ميكنة].. تعمل بانتظام تفهمه الطلائع المثقفة والواعية.
أن.. ((التغيير)).. في الفكر العربي الإسلامي السياسي يحتاج لإعادة قراءة لنؤكد أننا في حاجة ماسة لكي نعمل ونمارس الديمقراطية على حقيقتها، وبدون ارتباك. وهذا واقع الثورة المصرية، فلقد جاءت عدة حكومات منها ما يسمى حكومة الثورة بقيادة الدكتور عصام شرف فهي بلا.. ((أجندة)).. وأيضا الشعب بلا.. ((أجندة))..، وهذا ما يخلق الفوضى والاضطرابات في الوطن، والتي قد تقود الوطن إلى.. ((المجاعة)).. وكما قال احد مفكري السياسة الأمريكية أن المجاعة لا تحدث في الدول الديمقراطية.
والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.
البريد: Zkutbi@hotmail.com الموقع: www.z-kutbi.com
أديب وكاتب سعودي - مكة المكرمة