«فوق جبال القمر، أسفل وادي الظل
- اذهب راكباً، اذهب راكباً بجرأة،
رد الظلّ
إن كنتَ تسعى إلى إلدورادو» إدغار آلان بو
> ما زلتُ أذكر قصة «أحلام الرعاة» في كتاب القراءةِ للصف الثالث الابتدائي رغم مرور زمنٍ طويل، ليس بطويلٍ جداً، عن ذاك الراعي الذي يظل يحلم ويتفاعل مع الحلمِ حتى لم يعد أكثرَ من «سمنةٍ مهراقةٍ» على رأسه، أو حتى حليباً في النسخة اليونانية من الحكاية في خرافات إيسوب، فصارت «أحلام الرعاة» بعدها مصطلحاً مرعباً يُواجَه به كل من يحلو له أن يشطحَ بخياله، «ربّما كان مردّ ذلك إلى ثقافة القمع»!
> دائماً ما كان الحلم، بيقظته ومنامه، بوابةً واسعةً لحوادثَ تثير الانبهار والتردد و..الرعب أيضاً! وقد نجاهر بحلمٍ جميلٍ، أو نقضي ليلتنا بالنفث ثلاثاً عن يسارنا ونفض الفراش، أو ارتداء الثوب مقلوباً في الصباح لعكس اتجاه الحلم، كما تفعل أمي إن رأت ما لا يسرّها! وقد لا تحتاج إلى آلاتٍ معقدة لفكّ رموز الحلم، إذ يكفيها أن تستفتي قلبها، فزعاً أو راحةً.
> هنالك من يعتقد أنّ الأحلامَ إنما هي رسائل وإشاراتٌ ترسَل إلينا لتكشف لنا جزءاً من عالم الغيب، ولذا بدأ كل من جلجامش والخيميائي رحلةً طويلةً وشاقةً في محاولةٍ لاقتفاء أثر حلمٍ ما، وإن كان الأول قد رآه وسيلة نحو غاية بلوغ الخلود، فقد كان للثاني بدايةً لاكتشاف الذات والعالم الذي سيطاوعه لتحقيق رغبته، والفارق بين الحلمين هو المآل الذي آله كل من الساعيين كلٌ بحسب مشروعية حلمه أو على الأقل إمكانية تحققه!
> وإن كان النبي يعقوب قد أمر ابنه يوسف - عليهما السلام - بألا يقصص رؤياه «رؤيا النبوة» على أخوته فيكيدون له، فقد ذهب بورخيس وأنطونيو كابوتي المذهب نفسه لأسبابٍ مختلفة، إذ يرى بورخيس المهتم جداً بعالم الأحلام - والذي يميل إلى اعتبارها عملاً جمالياً بعيداً عن كشف الغيبيات - يرى أنه لو أعاد سرد حلمٍ ما فإنه يتحول إلى لا شيء! أما كابوتي فيصرّح، على لسان بيريرا، أن والده علّمه بأن الأحلام هي أكثر أشياء المرء خصوصيةً ولا ينبغي الإفصاح عنها لأحد!
> وسواءٌ أ كانتيقظةً أم مناماً، إشاراتٍ أم جمالاً، قد تصير الأحلام غادرةً كمن يمشي في حقلٍ من القطن الناعم، وبخاصةٍ إن جاءت مثقلة بإرث الطفولة حين كانت الكائنات المرعبة تغزو المنام وتسرق الألوان أو الأم، إذ تؤوّل النساء من جيل أمي الملامحَ الباكية والضاحكة،على التوالي، لرضيعٍ نائمٍ بأن هنالك كائناً يخبره بموتِ أمه ثم يكذّب هذا الخبر، وهكذا يُمضي نومه!
> تورية: في الليالي العابقة بأحلام الآخرين، حين تذوي العيون وتعلو لذة القراءة في العتمةِ، ما زلتُ أسعى حثيثاً لمعرفة الغول الذي اختطف علبةَ الألوان من أحلامي.. وبدلاً منها منحها لونين حياديين، إما سوداء حالكة أو بيضاء»فاقعٌ لونها لا تسر الناظرين»، وحتى يحين ذلك: (تخلص الدني وما في غيرك يا وطني...)!
الرياض
