لأنّ هويّة أنديتنا الأدبّيّة غير معلومة أو غير واضحة فإنّ هذا التخبّط سيظلّ ملازماً لكلّ الأعمال التي تصاحب الفعل الثقافي أو الحضور الأدبي، ما لم تكن هناك لائحة تنظّم هذا العمل وتفرز بشروط لا تقبل أنصاف الحلول المعنيين بهذه الأندية من غير المعنيين بها، وإلاّ فسيظلّ حديثنا وحديث الأستاذ سيمون نصار مجرّد كلام عابر لا قيمة له ولا وزن.
بهذه المقدمة المختصرة قرأت مداخلة «سيمون نصّار» في مقالة نشرها في هذه المجلة 11-4-2013والتي عنون لها بـ»نادي جدة الثقافي وأهدافه المريبة» الأستاذ سيمون نصار يكتب من باريس تعقيباً على تحقيق قرأه في جريدة الحياة اللندنية (الطبعة السعودية) في 30- 3-2013 وكان عنوان التحقيق «مثقفون: أدبي جدة يبحث عن الجماهيرية وتحوّل إلى مراكز تدريب فاشل» التحقيق ـ بحسب سيمون نصار ـ استفزّه، لدرجة أنّه كتب مقالته التي أشرنا إليها سابقاً ليخصّ بها هذا الشأن الثقافي المُخْتَلف عليه لدى أصحاب الدار حتّى هذه اللحظة، ولأنني أقدّر كثيراً وجهة نظر سيمون نصّار إلاّ أنني لا اتفق معه في نظرته المبسّطة للجماهيريّة وإلاّ كان على كلّ نادٍ أدبي استقطاب واعظ معروف في العام،كي يهدي جحافل الناس إلى هذه المعاقل الأدبيّة، لكسر هذا الحاجز الجماهيريّ المتخيّل، وليقدم الواعظ ما يشاء في مكان يفترض أن يكون بيت الأدباء بعد أن عزّ عليهم أن يكون لهم أكثر من بيت يرحّب بهم، ويستقطبهم، ليأتي الخيار فيما بعد لمن أراد أن يحضر إلى هذه المعاقل، وعندها لن يمنعه أحد من الحضور والمداخلة وحتى المساهمة إن كان لديه ما يقوله!
أختلف مع سيمون نصّار جملة وتفصيلاً في إسقاط الحالة الفرنسيّة على واقعنا الأدبي، فهناك بإمكان أيّ شخص أن يكون لديه نادٍ ثقافي أو صالون أدبي أو مجلس حتّى، أما نحن فلا نملك غير أنديتنا الأدبيّة التي نأمل أن تبقى أدبيّة صرفة وإن عنونت بعض تلك الأندية لحضورها بالثقافي إلاّ أنّ المتفق عليه في السياق الأدبي واللوائح والحضور الفعلي هو الأدب!
هذه المقالة فتحت لي الباب باتجاه هذا الفعل الأدبي الذي اختلف حوله كثيرون وربما اتفق حوله كثيرون، فقد بات من الواجب على كلّ الأدباء أن يقولوا كلمة حقّ في هذه الأندية فعلاً وفهماً وتمثيلاً،فليس سرّاً حين نقول: إنّ إدارة هذا الفعل الثقافي من الأدباء وغيرهم قد عصفت بها أشياء كثيرة في واقع الحياة، فتخلّى الأدباء عن أنديتهم، وتصارع ما تبقى من الأدباء في نطاق ضيّق حول لائحة أدخلت الأديب وغير الأديب إلى أروقة تلك الأندية، ليس من أجل العمل الثقافي، لكنّه صراع غير متكافئ ساهمت فيه وبشكل واضح شروط لائحة الأندية الأدبية التي أخرجت أدباء بحجّة أنّ شروط اللائحة لا تنطبق عليهم وتحت رعاية ونظر الأدباء أنفسهم، وأدخلت إلى هذه الأندية أناساً كثيرين لا علاقة لهم بالمشهد الثقافي من قريب أو بعيد!
علينا أوّلاً ألاّ نعيب على من تبقّى من أدبائنا الذين أبقتهم شروط اللائحة خارج سياق الفعل الثقافي إن هم انتقدوا مثل هذه الممارسات المشينة التي تحدث داخل أنديتنا الأدبيّة، وقد اتفق مع بعضها واختلف مع أخرى، لكنّ ما يعنيني كواحد ممّن أدرك هذه الأندية الأدبيّة في أفعال سابقة وفعاليات حاليّة أن أقف على بعض الاتجاهات في هذه الأندية بشكل كامل، وعلينا الاعتراف بأنّ نشاط هذه الأندية في الفترة السابقة قد تناسخ بشكل كامل، فجلّ أنديتنا الأدبية باتت تسعى إلى إقامة الملتقيات الأدبيّة التي يكون جلّ حاضريها من الأكاديميين الذين تعنيهم مثل هذه الملتقيات في دراسات وبحوث تفي بغرض الملتقى وما بعده وفي هذا إغفال لجانب آخر مهمّ في هذا الحضور والتمثيل وهم الأدباء والمبدعون الذين يقفون خارج هذا السياق الأكاديمي الموظّف بـ(تضعيف الظاء وكسرها) لعلاقاته والموظّف بـ(تضعيف الظاء وفتحها) لحضوره المعاكس!
كما أنّ التوجّهات الحديثة في هذه الأندية لتلميع أسماء بعينها في الحضور والمشاركة والتمثيل يفقد هذه الأندية دورها الفعلي في استقطاب المبدعين وتفعيل حضورهم والتواصل معهم وتشجيعهم واختراق ما يمكن اختراقه من الأسوار العالية بين هذه الأندية والجماهير المعنيّة بهذا الحضور الأدبي في المدارس والجامعات.
كما أنّ الأندية الأدبيّة في الوقت الحاضر انشغلت في جوانب إدارية صرفة وحسابات ماليّة منهكة وتخلّت عن واجبها المهمّ في الفعل الثقافي بفعل الالتباس والتداخل في أعمال وأفعال من شأنها أن تخلق خلافاً غير مستساغ، ووفق أفعال ارتجاليّة غير مدروسة ولا غير معلومة!
من العيوب التي حضرت في هذه الأندية أنّها غيّبت مفهوم الشراكات بشكل فعلي وجاد فلم يستطع أعضاء مجالس هذه الأندية التفكير في شراكات فعليّة مع الجامعات المعنية وإدارات التعليم والمراكز الثقافية ذات الهمّ الواحد ومراكز الأبحاث باستثناء نادي الرياض الأدبي الذي كان حاضراً في المشهد الثقافي بشكل كبير ومعلوم لدى متابعيه!
علينا أن نقرّ بأنّ لدينا أفعالاً غير جيدة في هذه الأندية تصدر عن أناس غير مسؤولين في الفعل الثقافي، ويجب ألاّ تعمّم، لكن علينا أن نستوعب فكرة هذه الأندية ودورها في الحياة، نحن نعلم أنّ بحثنا عن الجماهير يضيع علينا كلّ شيء، إن بحثنا عن صورتنا في عين المجتمع أضعنا الأديب، ونحن حين تجاهلنا الأديب أنجزنا لائحة أبعدته وأقعدت مكانه أناساً كثيرين لم يأت بهم الأدب أو الثقافة، بل جاءت بهم الفزعة، وتكفى سجّل معنا!
ليست قضيتنا التدريب في هذه الأندية، ولا الفنون التشكيليّة، ولا التصوير الضوئي، ولا قضايا المجتمع وهمومه، مشكلتنا الكبرى أن نفهم دورنا بشكل جيّد في هذه الأندية، وليس عيباً فيما بعد أن تتعاون جمعيات الثقافة والفنون مع هذه الأندية في شراكات ثقافيّة مقبولة، وليس هناك مشكلة في أن يتعاون النادي الأدبي مع مراكز التدريب والتطوير في شراكة لها أهدافها الواضحة والمعلومة، لكن أن يتحوّل النادي إلى كلّ شيء في وقت واحد وبجهود ذاتية فأعتقد أنّ هذا أمرٌ صعبٌ، بل أكاد أجزم أنّه مستحيل!
@alma3e
أبها