د. جاسر الحربش
أتوقع أن قراء زاويتي تعودوا على الجدية المملة فيما أكتب. هذه المرة سأحاول - بمناسبة العيد - أن أجرب حظي في الكتابة الهزلية؛ لذلك أقول من البداية إن كل حرف في السطور الآتية لا يمت للحقيقة بصلة، وإن الهدف مجرد الممازحة البريئة. ضحكت علينا سيلفي في شهر رمضان الكريم ثلاثين مرة، ولا بأس من أن نحاول الضحك عليها مرة واحدة. ثلاثون حلقة سيلفي مرت على خير. أطلب منكم «العفو والسموحة يالربع» لو قلتُ لكم إنها كانت مثل سمبوسة المطعم «منفوخة ومقبقبة من الخارج»، والحشوة في الداخل آثار دارسة من بقايا اللحم المفروم والطعمية من بضاعة أمس وبعض الهواء المضغوط الذي لا يلبث أن ينسم مفرقعاً في فمك بمجرد قضم أحد الأطراف.
وضع المشاهد السعودي صعب بعد الإفطار في رمضان. بعد أن يشبع ويرتوي حتى يتدفق الفيمتو من خياشمه يميل على جنبه، أو يستلقي على قفاه، ويريد أن يضحك. بجانبه الباقي من الإفطار: سمبوسة ولقيمات ونصف «ترمس» قهوة وشاي. والأخ المواطن يريد أن يرفه عن نفسه قليلاً قبل التراويح. الورطة هي كيف يضحك؟ وأين يعثر على ما ومن يضحكه بأي وسيلة، حتى لو يبطحه ويدغدغه بين إبطيه وأخمص قديمه؟ لا يوجد خيارات كثيرة، وأفضلها سيلفي ناصر والشلة خفيفة الدم، وخصوصاً ذلك الطويل أبو عصاقيل والقصيمي راعي التاكسي أبو عيون طايرة. أبو عصاقيل هذا مملوح خلقه، لكنه يزودها بالفنقسة وبكثرة الرفسات على قفاه وغز الكراعين في وجوه الأقارب والأصحاب في المسلسل. بالطبع للتعويض فقط في المقاطع الكوميدية ذات الحوار منخفض الجودة. القصيمي راعي التاكسي أبو عيون طايرة مهضوم جداً، ملامح وشكل وقصمنه، لكنه أصبح مقولباً مثل مكعب ماجي، يصعب عليه الخروج من المكعب الذي سجنوه فيه. أما الزعيم فهو موهبة فطرية، وقد كان كذلك - وما زال - على نفس الحال، قفشات وملامح ومشية وهرولة، جدية واستهبالاً، لكن بدون غوص نوعي عميق للبحث عن مفردات وجمل ومحتوى للحوار، فهو يكون إما شاباً مكاوياً أهبل، أو شايباً نجدياً عصبياً متخلفاً، أو متحذلقاً محتالاً من عرب الشمال.
أحياناً تضبط الحلقة معهم بشخصية خارج المألوف، مثل المطرب الانتهازي الذي يسرق مواهب زملائه في العزوبية والفقر ثم يتنكر لهم. الفكرة جيدة من باب إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى، لكنهم أفسدوها بالمبالغة في الملابس والألوان ورقاعة الحركات الزائدة عن المطلوب. حلقة الداعشي الذي نحر أباه كانت متميزة.
الزيادة في الملح أو التبهيرة تفسد الطبخة، وهذا ما يتكرر في الإنتاج التلفزيوني السعودي. الإنتاج الكويتي أصبح من بعد غزو الكويت أكثر سماجة وأعلى ضجيجاً وأجرأ تهريجاً، مثل السرك، لا يضحك فيه سوى الأطفال ومحدودو الذكاء. وما زال النموذج الكويتي الفني هو المرجعية ودار التقليد للإنتاج الفني السعودي.
في المقابلات الفضائية والصحفية عندنا يقولون كلاماً كبيراً وكثيراً عن الإنتاج الخليجي، ويستعملون مصطلحات مثل كوميديا ودراما ومواضيع الساعة والنقد الهادف، ثم يتنفسون من آباطهم ويقولون استولينا على المشاهد العربي من الخليج إلى المحيط ومن كوباني إلى المكلا. إن كان الادعاء صحيحاً «فقد التم المتعوس على خايب الرجا». الساحة الفنية العربية عقيمة ناشفة الأثداء، والخط الفاصل فيها بين الممنوع سياسياً والمحرم شرعاً لا يتسع لنملة لكي تدب عليه، ولا تنزلق إما إلى خانة قف هذا ممنوع أو خانة تب هداك الله هذا حرام.
أية كوميديا أو دراما نقدمها بثوب وشماغ وحذيان أم فتحتين للإبهامين فقط. المفردات أصلاً، كوميديا ودراما، ليست للمجتمع الخليجي؛ لأنها أولاً مفردات ثقافية عريقة، ولأنها ثانياً ذات محتوى غير محدود من الحريات والتسامح والاستعداد للتقبل والضحك والبكاء وهز الأدمغة الرخوة، علاوة على كونها فضاء ً مفتوحاً للتجريد من الأردية والأقنعة المتخلفة والمتنكرة والزائفة. باختصار، هي مفردات فنية كبيرة جداً علينا. نحن نحتاج إلى مفردات تناسبنا أكثر، وباختصار أيضاً ما تزال الأمور عندنا سيلفي سيلفك، ربما باستثناء حلقتين أو ثلاث لا بأس بها مؤقتاً حتى يأذن الله بحريات إنتاجية جديدة.