جاسر عبدالعزيز الجاسر
من داخل إيران، بل ومن قلب أروقة نظام ملالي إيران يكشف حجم التدخل الإيراني في شؤون الداخلية للدول، فأثناء مداخلة داخل مجلس الشورى الإيراني وجّه عضوا المجلس إلى وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف وإلى مساعديه ووزارته والسفارة الإيرانية في الأرجنتين استجواباً عن واقعة ضخ أموال لدعم الحملة الانتخابية لرئيسة الأرجنتين التي هزمت في الانتخابات الأخيرة كريستينا فرنانديز، وقد أوضح النائبان أن أموالاً كبيرة تعدت عشرات الملايين لدعم الحملة الانتخابية للرئيسة السابقة، واعتراض النائبين ليس على التدخل في الشؤون الداخلية للأرجنتين ومحاولة التأثير على نتيجة الانتخابات الرئاسية، فهذه الضوابط الأخلاقية والقانونية بعيدة عن تفكير حكام إيران، إلا أن اعتراض النائبين سببه عدم جدارة العاملين بوزارة الخارجية الإيرانية وسفارتهما في الأرجنتين وضعف اطلاعهم على تراجع شعبية الرئيسة الأرجنتينية السابقة كريستينا فرنانديز، والرهان على جهة خاسرة مما سمح بنجاح الرئيس الجديد للأرجنتين الذي يصر على فتح ملفات الأعمال الإرهابية التي نفذتها إيران في بلاده.
الحديث عن فشل الإيرانيين في تغيير توجهات الرأي العام الأرجنتيني، وعدم معرفتهم بالواقع السياسي في ذلك البلد الذي يشكل قاعدة لعملياتهم الإرهابية في أمريكا الجنوبية، فتح ملفات النظام الفاشلة في دول أخرى، فقد أظهرت المداخلات التي تناوب عدد من أعضاء مجلس الشورى على القيام بها عن محاولات سابقة للنظام الإيراني في الشؤون الداخلية للدول ومنها ما حصل في رومانيا، ففي صورة مشابهة للأخطاء التي ارتكبها الإيرانيون في الأرجنتين أخطأ علي أكبر ولاياتي وزير خارجية إيران في العقد الماضي، والذي يشغل الآن المستشار السياسي للمرشد الإيراني، عندما وجّه السفارة الإيرانية وجهاز إطلاعات الاستخباري بدعم دكتاتور رومانيا نيكولاي تشاوتشيسكو وقدمت له ولجماعته ملايين الدولارات لمساعدته في القضاء على انتفاضة نقابة تضامن، وظل الإيرانيون يرسلون الأموال ويواصلون دعم دكتاتور رومانيا رغم أن الجميع كان على يقين بقرب سقوطه إذ كان الشعب الروماني جميعه يتظاهر ضده.
ونحن هنا لا يهمنا سوء تقدير وزارة الخارجية الإيرانية وكوادرها وأجهزتها الاستخبارية، وفشلهم جميعاً في قراءة الواقع السياسي وما يجري في الدول الأخرى، فذلك شأنهم، وهم مستمرون في ذلك بدليل تكرار أخطاؤهم في دعم الأنظمة المستبدة ورؤساء الأنظمة التي تسعى الشعوب إلى تغييرهم كما يفعلون الآن في سوريا وقبل ذلك في دعم نوري المالكي في العراق، وعلي عبدالله صالح في اليمن، إلا أن الذي يهمنا هو التأكيد على أن نهج ومبدأ التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى نهج أصيل وثابت في سلوك نظام ملالي إيران الذي تخطى حدود الدول المجاورة والذي يتعاظم في دول الخليج العربية والعراق ولبنان، إضافة إلى سوريا، ويمتد إلى تركيا وأذربيجان ليصل إلى أوروبا كواقعة رومانيا في أوروبا وإلى الأرجنتين في قارة أمريكا الجنوبية.