عبدالحفيظ الشمري
يلاحظ من خلال الكثير من البحوث والدراسات الميدانية في مجال اللغة العربية وطرق تدريسها في «التعليم العام» أن هناك معاناة حقيقية، يعيشها الطالب في مجال تلقيه مناهج ومواد اللغة العربية؛ فقد بات يعاني أكثر من أي وقت مضى صعوبة الوصول إلى أهداف المادة، وعدم قدرته على التفاعل معها؛ فلم تعد من المواد الشيقة التي يمكن أن يقبل عليها الطلاب؛ فالمناهج التعليمية لدينا يبدو أنها لا تزال تتلمس الطريق نحو فكرة تعليمية متكاملة ومناسبة، تقرب للطلاب مفاهيم التعليم؛ وتجعلها أكثر ممارسة وواقعية.. ولا نستغرب إن قلنا إننا نُصَنَّفُ من الدول التي تعاني مشاكل تعليم اللغة العربية رغم حرصنا الشديد.. وواقعنا وموقعنا الإسلامي المتميز، ووجود أعظم مكانين على وجه الأرض (الحرمين الشريفين)، وما يشكلانه من عمق إسلامي وعربي؛ تشع منهما سبل التعليم في مختلف مناحي الحياة. فرغم ذلك نلاحظ من خلال مناهجنا أن اللغة العربية كمواد تعليمية لا تزال تعاني جفافاً في الأسلوب، وصعوبة في التفاعل. وقد تعاد الأسباب إلى أن «اللغة العربية» انفصلت عن الواقع بسبب سطوة «العامية» التي سيطرت على مفاصل الحياة؛ ما جعل اللغة الأم شبه غريبة. أضف إلى ذلك ما يواجه التعليم والمدرسة على وجه الخصوص من تحديات كثيرة. واللافت للانتباه أن الدراسات التي تُعنى برصد حالات تهرُّب الطلاب من بعض المواد التعليمية، ولاسيما مادة اللغة العربية، ومحاولة تحاشيها، أو حتى الهرب من المدرسة، أو الغياب بسببها، يُعيد ذلك إلى أن هناك صعوبة في تلقي المعلومة من قِبل معلمي اللغة العربية في مجال الإعراب، وتطبيق القواعد، وحفظ الأمثلة الشعرية؛ ما يؤكد أن هناك مشكلة ما، تنشأ بين الطالب وهذه المواد. ولكي نتخلص من هذا المأزق الذي تعيشه مواد اللغة العربية على المستوى التعليمي، وهو الذي يعد اللبنة الأولى لفهم اللغة والعناية بها، والسعي إلى جعلها لغة محببة وعصرية، فإن الأمل معقود بوسائل التطوير التي تعدها الكثير من الجهات ضرورية، وربما يأتي أبرزها ضرورة التعاون مع مركز الملك عبدالله العالمي للغة العربية، الذي يعد فرصة مناسبة أن توكل له مهمة تطوير مناهج اللغة العربية، وتسهيلها، وجعلها شيقة ومقبولة لدى الطلاب. والأمر يمكن أن ينسحب على المواد الأخرى، أي أن يتم السعي إلى جهات تعليمية متميزة من أجل صياغة مفهوم جديد للمواد التعليمية؛ لكي نتخلص من المجاملات والحلول الفردية علنحو استقطاب بعض النصوص الأدبية في المناهج لأشخاص ليس لديهم الخبرة والدراية والمران في مجال كتابة النص التعليمي؛ إذ من المهم أن لا يعمد إليه كشخص بعينه؛ إنما يعد النص الأدبي واللغوي من خلال لجنة مختصة، تهتم بالنص وتعزيز مكانته ووظيفته في الذهن والذائقة. فاللغة العربية وموادها التعليمية في هذه المرحلة تحتاج إلى مزيد من المتابعة، وتخصيص معلمين متمكنين من أدواتهم التربوية، فمن المهم أن يكونوا من أساتذة الجامعات، ويتمتعون بمزايا معنوية ومادية، تسهل عليهم تطبيق المعايير التربوية والتعليمية في مواد اللغة العربية؛ لكي ننقذ لغتنا، ونجعلها مادة تعليمية شيقة؛ يقبل عليها الجميع.