عمر إبراهيم الرشيد
من المعلوم أنّ الشعور بالتحدي أو الخطر يستخرج الطاقات الكامنة لدى أي كائن حي للتعامل مع هذا التحدي أو الخطر الداهم وتجنب ضرره وتهديده. وفي كثير من الأحوال لم يتنبّه أو هو غافل عن طاقة أو مهارة معيّنة استحثها ذلك الخطر، سواء كان وحشاً كاسراً أو أزمة عائلية أو مالية ألمّت به وأقصد هنا الإنسان تحديداً،
خاصة إن لم يستسلم ووثق من نفسه وبأنّ نهاية الصبر والكفاح الغنيمة والفوز. تاريخ الدولة السعودية بمراحلها الثلاث شهد تحديات جساماً وأزمات مصيرية هددت كيانها وأدت بعضها إلى انقطاع الحكم، إلا أنها استعادت كيانها وهيبتها بعد كل كبوة، والدولة السعودية الثالثة التي أرسى أركانها الملك عبد العزيز - رحمه الله - كذلك مرت بتحديات جسام، استطاعت عبور أمواج بحورها المتلاطمة ولله الحمد. حالياً هناك سؤال مشروع عن المرحلة الحالية، وهو هل أنّ المملكة تشهد بداية مرحلة تاريخية بالمعنى المباشر للكلمة وفترة تحول وتغيير غير شكلي في كل الميادين؟. الحراك الإداري والتنموي والاقتصادي ينبئ بذلك، توازياً مع التحرك العسكري الحازم لتأمين الظهر في اليمن العربي الشقيق ضد المد الفارسي، ومع العمل الدبلوماسي الذي لا يفتر ومنذ سنين طوال وإن تضاعفت وتيرته أضعافاً في الفترة الحالية، لدعم القضية الوطنية والقضايا العربية والإسلامية.
إنما بطبيعة الحال فإنّ التغيير والتحول في التنمية والاقتصاد والاجتماع وغيره لا يتأتى وتظهر نتائجه سريعاً، فتغيير الأنماط والبيرقراطية الإدارية يأخذ وقتاً ليس بالقصير أو على الأقل فإنّ تأثيره يحتاج إلى وقت حتى يؤتي ثماره، وإن كان الناس، وهذا من طبيعة البشر، تستعجل الحلول ونتائج هذا التحول والتغيير، خصوصاً وإن الهيكل الإداري بشكل عام من الكبر والترهل ما يحتاج إلى برنامج لياقي صارم لبث الدماء الجديدة في عروقه، وهذا ما شهده عهد خادم الحرمين الملك سلمان حفظه الله، بجلب الدماء الشابة وفتح المجال لها للعمل والإنجاز.
وهناك سؤال يطرح بين الحين والآخر عن هذا التحول الوطني المنشود، وهو هل أنّ هذا التحول أتى بسبب المرحلة الاقتصادية الحالية التي تمر بها المملكة نتيجة تراجع أسعار النفط وبالتالي المداخيل التي تعتمد عليها البلاد في اقتصادها؟. من رحم الأزمات تولد الفرص كما تقول الحكمة، وكما أشرت بداية، فإنّ الشعور بالتحدي أو الخطر يظهر كوامن القدرات ويستحث الطاقات الدفينة، كما أنّ طبيعة البشر حين الامتلاء والدعة وساعة الرخاء، فإن الطاقة يصيبها الخمول وتركن إلى السكون وإلى الترهل إن طال عليها الأمد، فلابد من المحن والأزمات لكي تعاود القدرات والطاقات نشاطها وحيويتها، ولسنا بدعاً من البشر. انظر إلى اليابان كمثال، فبعد أن دمر الأمريكان بالقنبلتين الذريتين هيروشيما وناجازاكي ومات مئات الآلاف في دقائق واستسلمت اليابان، التفت اليابانيون إلى بعضهم البعض، وشرعوا في التعاون لرفع الأنقاض والعلاج وجمع ما يمكن استخدامه لإعادة البناء، حتى نهضوا مجدداً ومن ثم التفتوا إلى الصناعة والتعليم وبناء وطنهم من جديد إلى أن احتل ثالث اقتصاد في العالم. لدينا ولله الحمد العقول والطاقات البشرية والرعاية الحكومية السخية التي أوصلت بعض مبتعثينا إلى وكالة ناسا الأمريكية، وأثبت الشباب والفتيات جدارة حين يمنحون الفرصة لذلك، كما أنّ الوطن له حق الوفاء حين ينادي في واجب وتضحيات جنودنا البواسل أجابت ولاتزال تجيب النداء.
قلت إن هناك أسئلة ولعلها تدور في خواطر الكثيرين وقادة هذه البلاد يعونها، ويستمعون لصداها. ولعل من هذه الأسئلة، هل هناك تغييرات جذرية فيما يتعلق بقطاع الصحة بإسناده إلى شركات عالمية كما كان قبل ثلاثة عقود أو أكثر. وهل ستكون هناك نقلة في قطاع التعليم لتكون مخرجاته أساساً لنقلة تنموية واقتصادية كبيرة، وهل ستشهد المملكة نقلة كذلك في مجال الترفيه لتغيير الصورة الباهتة إن لم نقل القاتمة لهذا المجال المؤثر صحياً واجتماعياً؟. الأسئلة كثيرة وطرحها طبيعي بل وضروري، و(التحول الوطني) يتعامل مع هذه الأسئلة ومئات غيرها بانفتاح غير مسبوق، والأمل يحدو كل مخلص، فلنأمل ولندع المولى أن يحفظ هذه البلاد وقادتها، وأن يعيد الأمن والاستقرار إلى بلاد العرب والمسلمين، والله غالب على أمره.