د. عبد الله المعيلي
الكل يحرص على تحقيق النجاحات في إنجاز أعماله وإدارتها، سواء في القطاع الحكومي أم الأهلي، يجتهد في ذلك مراعيا حسن التعامل مع الآخرين، وتوثيق عرى التواصل معهم، والعلاقة بينهم، على اعتبار أنهم فريق واحد، متلمسا الأنسب والأفضل والأنجع في الأداء، والأعلى في كفاءة المنتج، والمنافسة في المخرج، مبتعدا كل البعد عن مسببات الفشل وصور الإخفاق، وتحقيق هذا المبتغى ليس بالأمر الهين السهل، بل لا بد لمن يريد تحقيقه والوصول إليه، من بذل المزيد من الجهود، والتواصل مع مصادر المعرفة المعينة الممكنة، وتملك المهارات المساعدة المكملة، وأخص مهارات القيادة.
كثيرون أولئك الذين يعملون، و يجهدون أنفسهم، و يجتهدون في إنجاز أعمالهم، وهم أحد فريقين، فريق يعمل بصمت وهدوء، لا يتحدث عن نفسه، بل يجعل أعماله وإنجازاته تتحدث عن نفسها باعتبارها واقعا مشاهدا ملموس الأثر والقيمة، لا ضجيج في حركته ولا تهويل، وآخر يعمل من الحبة قبة، يعظم أعماله، ويحيط حركته بالكثير من الضجيج، يتعمد الإعلام عنها، والاستماتة في عرض أعماله رغم قلتها، وربما عدم جدواها، فهو لا يتوانى في استثمار ما يستطيع من وسائل الإعلام، ووسائط التواصل الاجتماعي، ليبدو أمام الرأي العام أنه حقق إنجازات جلى، وأتى بما لم يأت به الأوائل ممن سبقه، بينما حقيقة أمره أنه كمن يراوح مكانه، كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
فالذين يكثرون الضجيج حولهم، يكثر حسادهم، ويكثر مبغضوهم، وتصغر قيمتهم، ويقل قدرهم في نظر المجتمع والمحيطين بهم، المجتمع بعموم أفراده يريد منجزات يريد حقائق، لا مجرد أقوال معسولة وأحلام يقظة، الوعود والتسويف مجرد شعارات سرابية سرعان ما ينكشف كذبها وزيفها، وأنها مجرد دعاية رخيصة بلا قيمة، يظن من يطلقها أنه سوف يثير إعجاب المتابعين المتلهفين إلى الوصول إلى واقع أفضل مما يعيشونه من أوجه الإحباط والتقصير والمراوحة في المكان نفسه.
وفي الإثارة والجلبة والتقليل من جهود من سبق، أو بقصد تعريف الآخرين بالمنجز مقارنة بما كانت عليه الحال، والطعن بالقول ولفت الأنظار، كلها ممقوتة مستهجنة، فليس من المروءة تقليب صفحات من سبق وتلمس الهنات والسقطات، هذا ديدن الذباب يبحث عن القاذورات ليقع عليها فرحا مسرورا، كن مثل الصقر لا تعنيه التوافه، يحلق عاليا، و لا يلتفت أبدا إلى الصغائر فهي أقل شأنا من الوقوف عندها وتقليب صفحاتها، العاقل من يبحث عن أوجه التميز في منجزات من سبقه ويبني عليه من رؤيته وتوجهاته ما يكمل النجاحات التي ينشدها.
الصغير هو الذي يعظم الصغائر، وبفعلته هذه يفقد الأصدقاء، ويفقد ثقة المحيطين به والعاملين معه، والكل يفر منه، ولا يرغب في التعاون معه، والإخلاص له، والتعامل معه في أي شأن من شؤون تسيير العمل والنجاح فيه، وبالتالي سيجد نفسه وحيدا معزولا مكروها، وهنا تكمن علة فشل كثير من المسؤولين الذين يظنون أنهم يستطيعون التحليق وحدهم، أو التصفيق بيد واحدة، هؤلاء هيهات لهم النجاح، لذا على من بنشد النجاح، أن يتجنب أوجه الإثارة في إدارة عمله و التي لن يجني منها إلا الخيبة والفشل.
ويعد الانفعال في إدارة العمل، وفي التعامل مع الزملاء، محرقة يتعذر علاجها، و لا ينفع معها أي جهد للتقارب والتفاهم والتعاون، لأن كرامة النفس وعزتها أغلى من أي شيء كان، أغلى من المكانة والجاه والمال، وعلى المنفعل في إدارة عمله أن يدرك أن الفريق الذي يعمل في الجهاز أحرار، والحر يأنف أن يتطاول عليه أي كائن من كان، ولذا تجد لسان حاله يردد المثل الشعبي الذي يقول: أبعد عن الداب (الثعبان) وشجرته، ففي البعد حفظا للكرامة، فهل يدرك المنفعل في عمله أنه بسبب الانفعال يفقد نفسه ويفقد المحيطين به ويظل يراوح مكانه ويكرر نفسه في دوائر الفشل والإخفاق.