محمد حطيني
لم يكد الحبر الذي خط به البيان الأمريكي الروسي حول وقف إطلاق النار في سوريا يجف حتى خرج وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري في تصريح له أمام مجلس الشيوخ الأمريكي مساء يوم الثلاثاء 23 فبراير 2016، يقول فيه من بين ما قاله الوزير المخضرم، أن واشنطن تدرس خيارات لخطة بديلة في حال لم يصمد وقف إطلاق النار في سوريا وإذا لم تشهد البلاد مرحلة انتقالية، وإن بقاء سوريا موحدة ربما يفوت إذا لم يتوقف القتال ويتم الالتزام بالهدنة.
لم يأخذنا هذا التصريح على حين غرة، فقد كان الموقف الأمريكي غير جاد ومشكوكاً فيه منذ بداية الأزمة السورية، ولم يكن ثمة عملاً جاداً يهدف إلى حلها بكل السبل الممكنة. وما يظهره التصريح ويعنيه أن هناك ترتيبات مسبقة لتفتيت الكيان السوري يعكس مأساة أخرى لشعب عربي آخر لا تختلف عن المأساة التي عاشها العراقيون ومن قبلهم الليبيون والفلسطينيون، وأبطالها الرئيسون هم نفس الدول التي عملت على تدمير عديد من الدول العربية وتفتيتها، وإلا لكان بإمكان الوزير الانتظار لفترة شهر أو شهرين ليرى بأم عينه، وهو قادر على ذلك، كيف تسير الوقائع على الأرض بعيد دخول قرار وقف إطلاق النار المريب حيز التنفيذ.
كما أن السكوت الأمريكي عما تقوم به روسيا وإيران على الأرض السورية من شد لأزر النظام وضرب المعارضة السورية بالرغم من بدئها في سحب قواتها من هناك، وهو بما لا يترك للشك حيزاً يصب في صالح كيان الاحتلال الإسرائيلي، يعد إشارة شديد وضوحها على ما ورد في بيان الوزير كيري، وبما يكرس الواقع الجديد على الأرض السورية. وأود أن أشير هنا وباقتضاب إلى المقالة التي كنت قد نشرتها في جريدة الجزيرة بتاريخ 17 مارس 2016 بعنوان اتفاقية سايكس بيكو تطل بقناع جديد، وتطرقت فيها إلى تفاهم كيري - لافروف على تقسيم الدولة السورية إلى مجموعة من الدويلات والإقطاعيات المتناثرة، وبدأ العد التنازلي لتطبيقه على أرض الواقع بصفة رسمية في الفترة المقبلة، لاسيما مع الخروقات العديدة لقرار وقف إطلاق النار وحديث الأكراد عن الدولة الفدرالية في سورية، ومحاولات النظام تحديد تخوم الدولة العلوية على الساحل السوري وصولا إلى دمشق، وهو ما ينبؤ بانهياره بالطريقة التي تخدم مصالح واضعيه.
وفيما يبدو أن ثمة موقفاً أمريكياً حاسماً في هذه المسألة منذ بدء الأزمة السورية، بتفاهم خفي مع الروس الذين أعلنوا عدم علمهم بوجود خطة بديلة للحل في سوريا في حال عدم وقف إطلاق النار، على أنهم هم من قدمها للأمريكيين. ولا يستغرب أن تصريح الروس بعدم علمهم بتلك الخطة يأتي فيما يأتي بمسرحية تبادل الأدوار على الساحة الدولية، عهدناها في قضايا دولية عديدة، وبما يتناسب مع مصالحهم التي يرسمونها في هذا العالم، وبما يخدم مخططاتهم وحلفاءهم من الصهاينة والمجوس في المنطقة.
ولا يُظن في هذا الوقت أن الرئيس أوباما سيعمل في الشهور الأخيرة من ولايته وقبيل انتهائها على إيجاد حل فعلي للأزمة السورية بما يحفظ وحدة أراضيها وسيادتها واستقلالها، لاسيما أن لا خطوات ملموسة ظهرت على الأرض حيال ذلك وهو دليل آخر في العمل على التقسيم، الذي يقوم عليه أطرافه عليه بكل تؤدة وروية، وإلا لما طال أمد الأزمة لست سنين خلت في حين أن حلها كان يتطلب مبادرة حسنة في نياتها، أو الحصول في أسوأ الظروف على قرار أممي لاستخدام القوة العسكرية بمقتضى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة سبيلا لذلك.