ياسر حجازي
(1)
(هيئة الأمر بالمعروف..) جهة حكومية مؤسّسة بموجب (أمر/نظام) وأيّما تعديلات في صلاحياتها إنما هو شأن مرتبط بالنظام؛ فالقول بأنّ تقليص صلاحيات الهيئة إلى الحدود الذي بيّنها النظام الجديد يؤدي إلى غياب شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو قولٌ متطرّفٌ يُحرّضُ ضدّ سلطات الدولة ولا يملكُ جزءاً من الحقيقة الواقعية، ذلك أنّ شريعةَ الدعوة إلى الخير/الصالح العام وأدوات الأمر والنهي قائمة بقيام الدولة ومنفّذة بوجودها، ولن تتأثٌر -وإن أزيلت الهيئة كلها- لأن سلطات الدولة هي محلّ آية آل عمران/104 حرفا ومضمونًا: (قدّمت في مجلة الثقافيّة بتاريخ 15 /2 /2014 موضوعاً يفصّل ذلك، بعنوان: حجّة في الولاية السياسيّة/ مفهوم ولتكن منكم أمّة)، وهي شريعة منفّذة -بطبيعة الحال- في الأوامر التي تسيير شؤون الدولة ومصالح الناس؛ فمن يقوم بهذه الشريعة -فعلياً- هي سلطات الدولة ومؤسّساتها، وليست مؤسّسة فرعية بمفردها، وذلك عبر جميع الأوامر الصادرة، إن كانت تشريعات تجيز وتسمح أو تشريعات تحظر وتمنع، وهي موجودة في مجلس الشورى الاستشاري والوزارات وجميع مؤسسات الدولة والموازنات والانفاق الحكومي؛ وفي الدول الغربية تتشارك المؤسسات المدنية مع الحكومية لتحقيق هذا الهدف/الدعوة إلى الخير/الصالح العام، الذي هو هدف أيّ دولة في العالم، هدف تحقيق الخير للناس في حقوقهم وأرزاقهم وأرواحهم وممتلكاتهم وعلاقاتهم وطموحاتهم، وما يطمح إليه هذا العهد هو زيادة حجم المشاركة بين المؤسّسات الحكوميّة والمدنيّة الأهليّة لتحقيق المشاريع التنمويّة على مبدأ المشاركة وعدم تضارب السلطات، وصولاً لتحقيق ما فيه خير للدولة بكلّ مكوّناتها.
(2)
(ولتكن منكم أُمَّة): (1) تدعو إلى الخير (2) وتأمر بالمعروف (3) وتنهى عن المنكر.
الأمة هنا بمعنى: الرأس/المقصد/المركز الذي يتولى إدارة شوؤن الناس، وبهذا المعنى تتماثل مع شيء من تعريف السلطات السياسيّة، أخذاً بالاعتبار التطور المعرفي-السياسي والعملي. والهدف الأساس لهذه الأمّة/السلطة:(التشريعّة والتنفيذيّة والقضائيّة) هو الدعوة لعمل الخير، وظيفةً وهدفاً معاً، فلا تخلو دولة في العالم من سلطاتٍ غايتها إدارة شؤون الناس بما يحقٌّ الخير لهم، عبر إدارة الإنفاق والإيراد وسنّ التشريعات وتنفيذها. وتكون قوانين الإباحة والسماح وقوانين الحظر والمنع جزءاً من مشتقات (الأوامر السياسيّة)، وكلا أوامر السماح وأوامر المنع من أدوات تحقيق الهدف من وجود أمّة/سلطة، وذلك لتحقيق الخير للناس أفراداً وكياناً. (خير الأمن، خير صيانة الحقوق والممتلكات، خير حماية حقوق الإنسان في معتقده وحرياته، خير التعايش السلمي دون عنصرية وعرقية وتعصَّب، خير فرص التساوي والسعي الدائم لرفع منسوب العدالة، ... وغيرها من الأوامر التي تجلب خيراً للصالح العام وتمنع ضرّاً عنه، وتصون حقوق الإنسان وكرامته، وذلك لا ينجز إذا لم يكن على رأس المجتمع أمّة (مجموعة من الناس/ سلطة/حكومة) تنقلهم من بدائية التجمُّع إلى مفهوم متطور في الإدارة يعتمد نظام الأمر بما يعرفه الناس من صالح عام لهم، ويأمر بحظر ومنع ما هو منكر عن هذا المجتمع في زمن ومكان ما.
**
وإقرار عرف أو ما صار معروفا ومقبولا للناس هو أمر بمعروف، وذلك يكون بموجب أمر صادر من رأس السلطة التشريعية؛ فنحن اليوم- فعليا أمام أوامر لتسيير وتسهيل عيشنا وحياتنا هي في أكثرها أوامر ضمن ما يتعارف عليه الناس ويقبلونه، والعرف جذر التشريع وأبو الشريعة، فلا تكون الأوامر بما يحقّق ضرّاً للناس، وإلا كان الاستبداد في أقصى أشكاله تطرّفاً وابتعاداً عن هدف وجوده في السلطة، وليس بمقدوره الاستمرار وفقا لوقائع التاريخ ومساراته. والعرف الذي نحن بصدد الحديث عنه، ليس مقتصراً على ما توارثه الناس، بل نضيف عليها ما قد صار معروفا للناس ومقبولا من مستحدثات الأمور والأشياء؛ فكم من الأشياء المنكرة الغريبة قد صارت معروفة ومقبولة فدخلت ضمن المعروف وصارت تحتاج إلى أمر تشريعي ينظم وجودها واستخدامها وتداولها وفقاً لطبيعة الشيء.
الأمر بالمعروف: أمر الأمن، أمر الإسكان والتوطين، أمر الماء والغذاء والكهرباء، أمر الصحة والتأمين والدواء، أمر التعليم والتوظيف، أمر المال، أمر الأرض، أمر الأرزاق، أمر الدفاع عن الديار، أمر القضاء، أمر الحقوق...كلّ هذه الأوامر تأتي ضمن معروف لا ينكره الناس، وهو من عمل الأمّة/ السلطة، أما الذين ذهبوا في تأويل كلمة (بالمعروف) وقالوا أن معناها (اللين) فإنّ هذا المعنى التأويلي هو من خارج المتن واللغة ويبتر معنى وقوّة الأمر، فالأوامر التشريعيّة تحتاج إلى قوّة لتنفيذها وإقرارها وتمكينها، وهي بيد سلطات الدولة الثلاث، وبيد كل من وقع له سلطان على أحد: ( الأبوان، المدرسون، أرباب العمل) لكن الأمر الأكبر الذي تدور السلطات تحته هو أمر السلطة.