محمد حطيني
الإيقاع البطيء للغاية الذي سارت عليه المفاوضات السورية، وتعنت النظام في الوصول إلى حل للمعضلة السورية، يوحي من جديد، بعد كل التضحيات التي قدمها الشعب السوري، وما لحق بالبنية التحتية للدولة السورية، وركائز وجودها، من تدمير وتخريب، أن ثمة عملاً جاداً ومتواصلاً على تقسيم الدولة على أسس طائفية وعرقية، تضم عدة دويلات يجمع فيما بينها مركز حكم فضاض، ربما على شاكلة النظام الفيدرالي تتوزع فيه السلطات فيما بين الرئيس المنتظر انتخابه، ورئيس الوزراء، ومسئولي المناطق في الدولة الموعودة التي يتم العمل على صياغة دستورها من قِبل الدول التي تدخلت عنوة إلى جانب النظام السوري في الحرب التي يشنها على الغالبية العظمى من الشعب.
ما سبق يستند إلى ما جاء فيما تم تسريبه، ربما كبالون اختبار لردود الأفعال، من معلومات عن مسودة الدستور السوري الجديد الذي يقوم الروس بإعداده بالتعاون مع الأمريكيين والإيرانيين بناء على وثيقة تم إعدادها من قبل مجموعة من الخبراء القانونيين المقربين من النظام، ويتوقع أن يكون هذا الدستور جاهزاً في شهر آب - أيلول القادم، وهو ما يُشكّل حرباً دستورية على سوريا الدولة وليس النظام الذي سلم تراب أرضه للروس والإيرانيين.
ليس القصد هنا إجراء بعض من التحليل لتفاصيل مسودة الدستور الجديد برمته، لكن ثمة نقاطاً في المسودة يجدر مناقشتها وتحليلها لكي يطلع الرأي العام الإسلامي والعربي عموماً، والسوري خصوصاً على حقيقة ما يجري لسوريا وما يحاك ويخطط لها من مؤامرات تهدف إلى تقسيمها وتغريبها عن جسمها العربي وهويتها الإسلامية الذي تبذل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز كل جهد ممكن على الصعد كافة في سبيل المحافظة عليها، وعلى وحدة الدولة السورية ككل، لا سيما أن الغالبية العظمى من السكان تنتمي للطائفة السنية التي تقدم التضحيات الجسام للتخلص من حكم أثقل كاهلها في جميع مناحي حياتها اليومية منذ سنين طويلة خلت.
ما يلفت النظر فيما تسرب من مسودة الدستور الجديد، إلغاء المادة المتعلقة بدين الدولة من الدستور ككل، وعدم الإشارة فيها إلى أن الدين الإسلامي هو مصدر التشريع للدولة، وهو ما يعني أن الدولة السورية في حالة إقرار الدستور الجديد، لا قدر الله، لن تعود دولة يعتبر الإسلام دينها الرسمي الذي تستمد منه تشريعاتها، ويترك في ظلها حرية اختيار الدين والعبادة للفرد على مسئوليته بالرغم من أن الشعب العربي السوري من أوائل الشعوب العربية التي دخلت في الإسلام بعيد الفتوحات التي جعلت من دمشق في يوم من الأيام عاصمة الخلافة الإسلامية في العهد الأموي.
النقطة الثانية المثيرة للانتباه تغيير مسمى الدولة من الجمهورية العربية السورية، إلى الجمهورية السورية، ما يحمل في مضامينه تأكيداً لمحاولات سلخ الشعب السوري عن هويته العربية التي ينتمي إليها، ويُشكّل جزءاً لا يتجزأ منها، والبدء في العمل على محوها من ذاكرته، علاوة على إخضاعه للنفوذ الروسي، والإيراني الطائفي في توجهه، والكاره لكل ما هو عربي سني معتقده، وذلك بما لهما من وجود فعلي على الأرض السورية، لا سيما الروس الذين تدخلوا إلى جانب النظام السوري، وأقاموا قواعد عسكرية جوية وبرية لهم على الأرض السورية ما يستنتج منه تخطيطهم للبقاء هناك إلى أمد طويل.
ومما يثير الاهتمام في المسودة المسرّبة كذلك أن المادة الخاصة بتولي منصب الرئاسة، انطوت على حذف لفظ الجلالة «الله» من القسم، فأصبحت بدايته «أقسم» عوضاً عن «أقسم بالله»، ما يتعارض مع الهوية الإسلامية المتجذرة في الدولة ويهدف إلى إضفاء الطابع العلماني على الدولة ونزع أي صبغة دينية عنها، بالرغم من نص الدستور على كون الرئيس مسلماً، فهل يقبل الشعب السوري بذلك بعد كل ما بذله من تضحيات في سبيل الحفاظ على هويته الدينية الإسلامية والعربية؟