محمد حطيني
الحالة الفلسطينية تظل بين الحالات الأخرى المماثلة في العالم ما سبقها وما تلاها، حالة فريدة استثنائية من منظور طول مدتها ومعاناة شعبها، وما طرأ عليها من أحداث وتطورات في سنوات عمرها التي لم يحصد منها الشعب الفلسطيني إلا الحرب والدمار والهلاك. وقد كان من نتاج هذه القضية أن سعت الأمم المتحدة، لحلها بكثير من السبل، وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة التي يسعى الفلسطينيون أنفسهم إليها، وما زالت الدول العربية تساندهم في الوصول إلى هدفهم ذلك، بما قدمته إلى جانب دول أخرى في هذا العالم المترامية أطرافه من مبادرات لتحقيق الغاية الفلسطينية تلك، وربما شاركهم في ذلك حفنة من الإسرائيليين أيضاً ضمن إطار معين.
وعلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تبحث عن السلام مع الفلسطينيين كما تقول، إلا أن الحل ما زال بعيداً مناله وصعباً تحقيقه، وإن من العجب العجاب أن يصدر بين كل حين وحين عن أركان الحكومة الإسرائيلية ما يشير إلى رغبتهم تلك دون تطبيق فعلي على أرض الواقع. وها هو أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد بعد أداء قسم توليه للمنصب في الكنيست الإسرائيلي مؤخراً، يخرج بتصريح مفاجئ يؤيد فيه حل الدولتين، فلسطينية وإسرائيلية، ما يثير تساؤلاً كبيراً جداً، كيف ولماذا؟، بالنظر لتاريخ الرجل الحافل بالعدائية السافرة للشعب الفلسطيني، ومواقفه المعلنة تجاهه.
من يقرأ الرجل على حقيقته، وتاريخه، لا يشك أبداً بتطرفه في مواقفه تجاه الشعب الفلسطيني، لا سيما من حيث عدم الاعتراف بحقوقه في وطنه وأرضه ومياهه المسلوبة، وقد عمل طوال وجوده في الحكومة الإسرائيلية على عرقلة التوصل إلى حل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، ضمن حدود آمنة ومعترف بها دولياً، تُشكّل أكبر أمنيات الشعب الفلسطيني وهدفه المنشود.
ومما هو معروف أن ليبرمان ينتمي إلى اليمين المتطرف، وهو صاحب رأي متعصب للغاية في الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي، وكان يرى في تهجير ما تبقى من الفلسطينيين (ترانسفير) في موطنهم حلاً شاملاً للصراع الفلسطيني -الإسرائيلي، وعبّر في العديد من المناسبات عن معارضته لليسار الإسرائيلي، حتى إنه وصف من يلتقي منهم قادة حماس بأنهم عملاء، هذا علاوة على تهديده قادة حماس بشن حرب إبادة عليهم خلال أربع وعشرين ساعة إذا لما يستجيبوا لمطالبه في إطلاق الجنود الإسرائيليين الأسرى لديهم في حالة توليه وزارة الدفاع، كما أنه صاحب نظرية تدمير السد العالي في مصر في حالة نشوب حرب بين إسرائيل ومصر.
ما يستقرأ من تصريح الرجل، هو التغيير الشكلي في موقفه من النزاع عطفاً على انتقاله من جانب المعارضة، إلى المشاركة الفعلية في السلطة، وربما إرسال رسالة اطمئنان فارغة في مضمونها إلى المجتمع الدولي الذي يعبر في الغالب عن قلقه وتشاؤمه ليس أكثر في حالة وصول وزير صاحب أفكار متطرفة إلى السلطة في الكيان الإسرائيلي، إضافة إلى تخفيف الاحتقان العالمي ضد تعيينه وزيراً لدفاع الكيان، وما قد يصدر عنه من قرارات قد تؤجج الصراع مع الشعب الفلسطيني صاحب الحق في أرضه المسلوبة.
نقول، إذن بأن ما طرأ من تغيير على موقف الرجل ربما لا يُعد إلا كونه تغييراً ظاهرياً شكله فحسب، تم بوضع بعض من المساحيق على وجهه، لا تلبث أن تزول بعد مرور زمن قصير عليها، ولذلك فإن تغيير الرجل لتصريحاته التي أدلى بها، لن يطول انتظاره في أول مناسبة تنطوي على مواجهة سياسية، أو عسكرية أو دينية سواء مع الشعب الفلسطيني ككل، أو السلطة الوطنية الفلسطينية أو إحدى المنظمات الفلسطينية، ما يظهره على حقيقته المعروفة عنه.
خلاصة القول، وبالرغم من كراهية الحروب وآثارها المدمرة، والرغبة العربية التي تنشد الوصول إلى سلام فعلي ودائم وشامل في المنطقة، إلا أن ما يبدو أن الحكومة الإسرائيلية غير جادة في الوصول إلى حل يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المنتظرة، بالنظر لإمكانية التوصل لمثل هذا الحل منذ أمد طويل، وتعيين شخصية معروفة بكراهيتها للعرب في منصب يُعتبر من أهم المناصب في الكيان الإسرائيلي، فديدنهم إن لم يكن رفضاً لمبادرات السلام بمجملها، فستظل المماطلة في المفاوضات في حالة استئنافها، وإطالة أمدها إلى أبعد مدى ممكن، لا سيما مع تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تعتبر ربما الأكثر يمينية في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، وهو ما سيؤدي مع الوقت إلى طلب مزيد من التنازلات، والتهويد للأرض الفلسطينية والتذويب لحقوق الشعب الفلسطيني.