محمد المنيف
هناك طاقات كبيرة يمثِّلها رواد بدايات انطلاقة الفن التشكيلي المحلي أصحاب الخبرات التي اكتسبوها عبر سنوات العمل في الساحة التشكيلية أثروها بتجاربهم وتركوا لها بصمات لا يمكن أن تمحوها السنين، ومع ذلك لم يعد لهم حضور أو تفاعل أو مساهمات إلا حينما يوجه لهم الدعوات، وهذا حق لا يمكن أن نختلف عليه، فلهم التقدير والاحترام ولهذا يحق لهم أن يدعوا إلى ما يتناسب مع تاريخهم.
هؤلاء التشكيليون الكبار سناً وخبرات وتجارب وحضور محلي ودولي يمكن أن نلتمس لهم العذر وأن نتوقّع أسباب غيابهم، منها ما يُبنى على معرفة مكتسبة من بعضهم عن قرب وقد يكون أغلبهم، ومنها ما نجزم بحقيقته نتيجة ما يحدث حالياً في الساحة.
وإذا وضعنا تلك الأسباب تحت المجهر فإننا سنخرج بأن من هؤلاء الرواد من يرون أن ما يقدّم حالياً في الساحة لا يستحق العناء أو المشاركة ولا يشجع على أن يقدم أولئك الفنانين إبداعهم في ساحة غبارها أكثر من غيثها، لم يعد لمن فيها فهم ما سيصل إليه أو ينتهي به هذا الاندفاع غير المدروس في ظل غياب منهجية أو مسار يميز الغث من الثمين.
لقد امتلأت الساحة بصغار الفنانين عمراً وقدرات وأصبحت كحاوية (الزبالة) مع تقديري لهذا الفن وما آلت إليه أحواله، جعل منه هؤلاء الهواة مجالاً لتبادل المديح والثناء المغلف بأهداف أجل الصفحة عن ذكرها، يمكن لمستخدمي «السوشيال ميديا» الاطلاع عليها عند مرورهم بعالم الفن التشكيلي خصوصاً (المحلي) الذي لا يمثّل حقيقة فنوننا التشكيلية، إذ يمكنه أن يرى ما يكتب عند عرض لوحة لا تصل إلى ألف باء الرسم بقلم الرصاص أو بغيره من سبل الرسم وأدواته، خالية من الفكرة والمستوى الفني، ومع ذلك يتبعها خفافيش سبل التواصل بعبارات الإشادة والتبجيل.
قليل من كثير في واقع الفن التشكيلي الذي تسبب في ابتعاد الكبار ثقافة وإبداعاً وبعد نظر لمفهوم الفن التشكيلي وقيمته كثروة وليس لهواً أو عبثاً..
أما الجانب الآخر المؤثّر فهو في وجود فئة أخرى من أولئك الكبار (عمراً) الأقل مستوى في الإبداع منذ عرفتهم الساحة يعدون رواداً، وفئة تابعة يحمل لهم البعض شيء من التقدير لا يخلو من الجهل بهم، لم يعد لهم سبيل للبقاء سوى إسقاط حجر يعكر صفو الساحة لعل وعسى أن تلتفت لهم الأنظار.
هذه الحال التي وصلت بها الفنون التشكيلية أضاع فيها البعض صيدهم في عجاجهم والبعض الآخر جعلوا من الصراعات والمشاحنات والإقصاء طريقاً إلى تحقيق البقاء، جازماً أن هؤلاء لو منحوا فرصة قيادة هذا الفن لانتهوا به إلى الفشل كما فشلوا في كثير من المواقف التي حاولوا فيها تحقيق القيادة.