رجاء العتيبي
تبرز في رمضان وسط حمى الأعمال الدرامية مفردة (معالجة) درامية, وهي مفردة جرت على ألسنة المهتمين بهذا المجال, وباتت تتصدر (التتر) وبدى صاحبها يأخذ وضعاً مهماً, وهيمنة طاغية على النص, وبدا باعثاً للنص, ومحسناً له ومجملاً لكيانه أو هكذا يفترض أن يكون, وربما تصدرت مفردة (معالجة) تصريحات عدد من الفنانين والكتاب والمخرجين.
صار -في زماننا- كل نص مسرحي أو مسلسل تلفزيوني لا بد له من (معالج) فلا ينصلح حاله إلا بشخص يمحو ويثبت ما يعتقد بصحته, بل إن من يضع تعديلات ولو طفيفة على النص تسمى بـ(معالج) درامي, فيما بعضهم اقتصرت (معالجاته) على سير القصة وبناء الشخصيات والمكان والزمان.
شاعت وانتشرت هذه المفردة (معالجة) حتى شعر البعض حيالها بالشك, وهناك من يجهل مصادرها, وهناك من يمارسها ولا يعلم ما هي سوى أنها مفردة لها بريق إعلامي وتعطي من يمارسها مكانة معينة, ومنهم من تحفظ عليها جراء الابتذال الذي شهدته المفردة.
لو تتبعنا أصل الكلمة نراها تعود لمصطلح (دراماتورج Dramaturg) وهي مفردة يونانية الأصل Dramaturgein وتعني صناعة الدراما, أو الشخص الذي يضع الدراما, أو بمفهومنا المعاصر (معالج درامي) وتعني أيضاً (خبير الدراما), وهناك من سعى لتعريبها بـ تدريم. يعود تاريخها -الفعلي- لدى المسرحيين الألمان في القرن الخامس عشر, وإن كانت موجودة أيام إسخوليوس وسوفكليس وأرسطوطاليس, ولكنها اختفت لتعود مرة أخرى بشكل أكثر وضوحاً على يد المسرحي الألماني (ليسنج 1767) في كتابه (فن الكتابة المسرحية).
لا بد أن يتصف الدراماتورج أو المعالج الدرامي بمهارات كافية أهمها أن يكون كاتباً موهوباً وفقاً لشروط الدراما, و أن يكون ملماً بالتاريخ والعادات والتقاليد واللغة والقصص، وأن يملك مهارة بحثية وعقلاً منطقياً ورؤية ثاقبة, بمعنى آخر أن يكون أكبر بمراحل من المؤلف معرفة بفن الكتابة ذاتها, وتبصراً بأحوال المجتمعات وثقافات الشعوب وأسرار اللغة.
وجاءت الحاجة لشخص يعيد صياغة العمل الدرامي وفقاً لشروطه, بعد أن دخل المسرح كتاب ليس لديهم معرفة كافية بهذا الفن, ما دعى مؤسسات الإنتاج بالاستعانة (بخبير درامي) يصنع العمل الفني من جديد يعيد له روحه وبريقه. المشكلة في أزمة الدراماتورج أو (المعالج الدرامي) بمفهومنا أن هذا الأمر بات يتصدى له صغار في السن, أو من أصحاب الخبرة القصيرة في مجال الدراما, أو ممن لم يستوفِ معرفة شروط العمل الدرامي, ورغم عدم استيفائه الشروط, لا يجد حرجا في أن يضع كلمة (معالج) أمام اسمه لمزيد من الوجاهة لا غير, هنا يكون للاعتراض وجاهته.