النفوس الكريمة لا تعرف الجحود ولا نكران الجميل، وقد حثنا ديننا الحنيف على أن نقدم الشكر لكل مَنْ أسدى لنا معروفاً، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، أما اللئام فإنهم ينكرون ولا يشكرون، وهذا من مساوئ الخلال وذميم الخصال، بل دليل على خِسَّة نفس الجاحد وحقارته، والأسوأ من ذلك ألا يكتفي هذا الدنيء بإنكار الجميل فقط بل يقابل الإحسان بالإساءة، ومن يجحد المعروف والإحسان ويتنكر للمحسن فهو ممن لا خلاق ولا مروءة له.
والأديب الشاعر د.فواز اللعبون كتب عمن ينكر الجميل ويقابل الإحسان بالإساءة، وأبدع كالمعتاد في عرض المشكلة شعراً، وعقب على قوله مؤيداً ومجارياً صديقه الشاعر عبدالمجيد العُمري فإلى القصيدتين:
للهِ أشكو غادراً عَلّمتُهُ
رَمْيَ السِّهامِ فكنتُ أوّلَ مَن رمَى
وبدَا لقلبي جَنَّةً حتى إذا
نالَ الذي يَرجُوهُ عادَ جَهنّما
وبكيتُ من جُرحٍ شَكَاهُ وحينما
لاحت جراحي النازفاتُ تَبَسَّما
وشكا إليّ عذابَهُ فرَحِمتُهُ
وشكوتُ مِثلَ شَكاتِهِ فتَهَكَّما
وكسَرتُ خبزتيَ الوحيدةَ بيننا
وسَطَا على نِصْفي فلم أَفغَرْ فما
وسَقيتُهُ كأسَ ابتهاجي فارتوَى
ومضى وها أنذا أموتُ من الظَّما
يَجِدُ العطاءَ من الأحبةِ واجباً
وعطاءَهُ مِمّا لديهِ مُحَرَّما
كم حذّروني من دناءةِ طبعِهِ
فنَهرتُهمْ وعصيتُ فيه اللُّوَّما
وأرَونيَ الشاكِينَ من غَدَراتِهِ
لكنني ما كنتُ إلا في عمَى
وبقِيتُ أحفظُ عهدَهُ مع أنني
أَشْتَفُّ مِن عينَيهِ شيئاً مُبْهَما
يا ليتهُ لَمّا جفَا عهدي اكتفَى
لكنّهُ في حِضنِ أعدائي ارتمَى
وأَراهمُ خَلَلَ الجراحِ بمُهجَتي
ورمَوا جميعُهُمُ عليّ الأسهما
هل يغفرُ الجبّارُ خسةَ غادرٍ
ما زلتُ أنزفُ من خساستِهِ دَما؟!
لا تَأسَ يا جُرحي قريباً تشتفي
وتُحيطُ قضبانُ السماءِ المجرِما
شعر: فواز اللعبون (قدموس)
الجواب:
فوازُ طبت وطاب شعرك دائماً
أنَّى كتبت عن الجمال وأينما
لكنما بالأمسِ كُنتَ مغاضباً
وعلى الأناملِ قد عضضت تندما
أنا لا ألومك يا صديقي إنني
عانيت مما كنت منه محطما
من بَـدَّل الإحسـان إيذاءً لنا
أفلا يحق لمثلنا أن يَــألما؟!
من أنكر المعروفَ من لؤمٍ له
ذاك الذي جعل المبرة علقما
قد كنت أبذل ما استطعت لدعمه
وأعنته مذ كان صفراً مُعدما
ووقفت معْه جــابراً عثـراته
ولجرحه قد كنت دوماً بلسما
وسقيته مــاءً نميراً صافياً
إذ لم يجد إلا التراب تيمما
بالأمس لما كان في حاجاتنا
يأتي إليَّ مُقْبِّــلاً ومسـلما
لكنه بعد التمكن شاننا
قلب المجن وخاننا وتأثما
رد الجميل كراهةً وعداوةً
ومن الدسائس كم أعدَّ وأبرما
وكلت أمـري للإله وإنــهُ
يقتصُ ممن كان فينا مجرما