|
الملك فهد بن عبدالعزيز: قيادة تحويل المثال إلى واقع الحال..
أ.د. محمد بن حمود الطريقي
|
مع كل المآسي التي يعيشها العالم اليوم، تظل الوحدة الوطنية السعودية في أبهى صورها: بيعة بعد بيعة وذكرى بعد ذكرى في الانجاز والتوحيد وواقع العطاء المجيد، ذريةطيبة من الكرام الميامين، الذين رفعوا راية التوحيد على الارجاء واستجابت لهم جموع الامة بالتأييد والتهليل والمساهمة الفاعلة، حتى تحول الوطن من صحراء قاحلة، ومن قبائل متفرقة إلى رياض عامرة، وصفوف مرصوصة يشعر الحاكم فيها بحاجة المحكوم، يعمل الكبير فيها لحاجة الصغير، خلية نحل، شجرة مباركة، هذه هي المملكة العربية السعودية اليوم.
احتفالنا اليوم بمرور عشرين عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، مقاليد الامامة والحكم، هو احتفال بالقائد وهو احتفال بالشعب وهو احتفال بالتاريخ، وكم من الاحداث العظيمة في تاريخ الأمم، هي تلك الاحداث التي اثبتت بما لا يقبل الشك، ان القيادة هي الاساس المتين لنهضة الامة في تحويلها المثال الى واقع الحال، وفي تحويلها النصوص الراقية الى افعال مشرفة يؤرخ لها الزمن، وتظل للواقع والذكرى: عبيراً من عبير وعطاءً من عطاء..
في التاريخ ومن اليوم الأول الذي تعاهد السيف السعودي مع الفقه النقي، الإمام محمد بن سعود عام 1164ه، مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب، بدأت الدولة السعودية بتحويل (الإمارة) إلى (دين) ، يتقرب به إلى الباري عز وجل، كما جاء في السياسة الشرعية لابن تيمية رحمه الله واسكنه فسيح جناته وهو الأمر الذي اصبح سياسة متوالية للأئمة من آل سعود، من أيام الملك الموحد عبدالعزيز طيب الله ثراه حتى أيام خادم الحرمين الشريفين اطال الله في عمره وسيظل في هذه الاسرة الكريمة بإذن الله وتوفيقه. انه الأمر الذي نفخر به لهذه الذرية الكريمة، إنه أمر التوحيد ونبذ الشرك، وهو أمر تحقيق مصالح الأمة على أساس الشريعة، وهو أمر جمع الأمة على ما وحد الأمة بعد رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أمر الحكم بما أنزل الله، والبعد عن الجاهليات بكل انواعها، مهما جملت ومهما تعاظم اثرها في حياة الناس والمجتمعات من حول الناس.
ان الالتقاء حول اساسيات الحكم، ميز الحياة السعودية وميزها بالاستمرار ايضا، فما ارساه الملك المؤسس للبلاد، اختاره الملك فهد بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين للعباد، وما بايع الناس عليه، لم يكن للمؤسس بصفته الشخصية، بل للاسلام بصفته الدينية، حتى رأيت الناس اليوم ولكل يوم بإذن الله، يبايعون الابناء على ما بايعوا عليه الآباء لصالح الأمة ولصالح الحضارة التي تميز هذه الأمة.
واليوم ونحن نحتفل بعشرين عاماً من الانجازات، انما نحتفل بذات الراية التي وحدت الجزيرة، وبذات المبدأ الذي حكم الجزيرة وبذات المنهج الذي تعامل فيه الحاكم مع الرعية، ولا أدل على ذلك الاستمرار من سيرة مولاي خادم الحرمين الشريفين ، فهو ذاته الابن البار في حضرة الملك عبدالعزيز، وهو ذاته وزير المعارف عام 1373ه ، الذي ارسى مبدأ التربية الى جانب مبدأ التعليم، فمن مدارس الى معاهد الى جامعات، الى مؤسسات بحثية طبقت سمعتها الآفاق، الى استراتيجية الانتشارين الافقي بنشر المعاهد والمدارس والجامعات، والعمودي بتعميق مفهوم النمو والنهضة، حتى رأينا المملكة واحة من واحات المعرفة، بعد ان كاد الظلام يطبق على عالمها الآمن الراسخ.
ثم هو ذاته الأمير الحاكم، الذي ادرك المعنى الروحي للحاكم، فعدل وخطط وجاهد وتفنن، ونظم ودبر، فلم يترك من صغيرة ولا كبيرة الا وحسب لها الحساب، وأعاد الحساب، فأنتج لهذه البلاد الطيبة السيرة الطيبة في السياسة والاجتماع، كما في الاقتصاد والفنون والثقافات، حتى اصبحت المملكة روضة امن وواحة تقدم وعطاء،يتحدث بأمرها العالم، بل ويفخر بها العالم. وما نراه اليوم من سياسة رشيدة تجمع بين المفهوم السلفي، والحسابات الدولية، لهو الدليل الافعل والناطق الذي لا يخفي، لحكمة خادم الحرمين الشريفين وبعد نظره، في عالم كثرت فيه الهزات وتغلبت عليه الحوادث والتغيرات..
وعودة اخرى للرعاية الاجتماعية بين الوالد وابيه، ففي مجلس الشورى عام 1350ه ارسى الملك المؤسس طيب الله ثراه قواعد الرعاية الاجتماعية وقواعد العدالة الاجتماعية، وفي ذات المجلس، وبعد أكثر من سبعين عاماً من الزمان اعتمد خادم الحرمين الشريفين قانون رعاية المعوقين، ليكون الاشمل والافضل، وليشمل الاشمل والافضل من كل القوانين الحديثة، ضمن ذاتية اسلامية معهودة ومفهوم شرقي محافظ، ولن تكون الشهادات الدولية بذلك اكثر وقعاً من اعتراف المعاق والضعيف في المملكة العربية السعودية، بفعالية ذلك النظام ومدى اهتمام الحاكمين بأبعاده ومراميه، ولا يخبرك بذلك غير الضعفاء عن فعلة الاقوياء، وكلنا ضعفاء وفقراء لرب العالمين.
ان انجازات العظماء، لا تحد بالكلمات، مهما كانت الكلمات قادرة معبرة، ان الانجازات الحقيقية هي ما يسطرها التاريخ، وما سطره التاريخ لخادم الحرمين الشريفين، مسطور في التاريخ، وهو صفحة مضيئة مفتوحة للقارئين، منيرة للسالكين، اطال الله في عمره الميمون، وخيركم من طال عمره وحسن عمله.
|
|
|