استطلاع - فاطمة الرومي
الأسبوع الماضي فوجئ الجميع بخبر إقدام عناصر من المعارضة على قطع لسان الشاعر اليمني وليد الرميشي بسبب قصيدته (اليمن مواطن الحكمة)
ترى كيف هو وقع هذا الخبر على المثقفين؟ وأي ظلال سيلقي بها على مشهدنا الثقافي العربي؟ وقد حاولنا التواصل مع بعض المثقفين لاستطلاع آراءهم حول ذلك فكان أن خرجنا بهذه الآراء فيما تحفظ البعض الآخر عن المشاركة لأن الكاتبات والكتاب الصادقين مقطوعة ألسنتهم منذ زمن بحسب قولهم.
في البدء تحدثت الدكتورة عائشة يحيى الحكمي قائلة:
حين رأيت المشهد أمامي على الشاشة لم أعره اهتماماً إذ توقعته خبرا يحمل سخرية أو تعليقاً وحين تابعت الخبر عبر أكثر من فضائية بدأت أفكاري تستقر وتصدق الكلام ثم اتجهت الذاكرة إلى قصص العرب القدماء في تعاملهم مع الخارجين عن أنظمة القبيلة وهو إقامة حد ( التبشيع)، أو طرده من القبيلة بعد اجتماع علية القوم ومناقشة الموضوع تبشع لسان المتمرد مثل الاتهام بالقذف أو إشاعة الفتنة بين العربان، لكن ما حدث للشاعر اليمني وليد الرميشي حرية في اتخاذ القرار من تلك الجماعة بطريقة غير مألوفة فهم مثقفون وعلى وعي لأنهم يطالبون بحقوق والذي يطالب بذلك إنسان واعي بدليل أنهم فهموا أبعاد قصيدته فقطعوا لسانه انتقاما من الذاكرة العربية منذ نشأتها، الشاعر كان يكرم لأنه لسان حال أمته الناطق الرسمي بأحداث الحياة فيها ووسيلة إعلامها الوحيدة وجامعتها ومدرستها، ظاهرة غريبة قطع لسان شاعر إقصاء دموي متعمد هذا هو القمع الفكري والإنساني بعينه
لم أكن أتصور أن الشاعر في زمن المعرفة والوعي الإنساني تقطع لسانه، كابوس مقيم تشنق فيه الكلمة وتطارد فيه الحرية ويصبح كل صاحب كلمة مثقفة مهدر الدماء، أي غوغائية نعيش.
اعتقد هذا عمل إرهابي محشور في زمرة محدودة تحاول العمل على إفساد حياة المجتمع والدفع به إلى الهاوية لكن مازلنا بخير ففي الأمة عقول مدركة بإمكانها إعادة التوازن لموقع الكلمة، في زمن الغوغاء لا بد أن تحدث ظواهر غريبة.
إصابة الشاعر اليمني بهذا الأسلوب قمة الهمجية البشرية، لكنها لن تطول بإذن الله؛ لأن قاعدة الشعر والشعراء راسخة في الذات الإنسانية مهما قست الحياة ستزهر من جديد لأن الإبداع رأس مال الإنسان وملكية فردية لا يستطيع أحد القضاء عليه خاصة الشعر سيظل يتحدى كل الفتن وسيعيد احتلال منصته بهدوء.
أما القاص ناصر الجاسم فكانت له هذه المداخلة حيث قال:
إن العلاقة بين السياسي والأدبي علاقة إشكالية منذ الأزل، فلطالما حذر السياسي من الأدبي، وعادى الأدبي السياسي أو تقرب منه، وقد قيل: شاعر البلاط وشاعر السلطة، وقد احتفلت القبيلة قديما وحديثا لمولد شاعر فيها ولنبوغه، وأقيمت له الولائم وأجزلت له العطايا، وعد سلاحا لها يذود بشعره عنها ويسجل انتصاراتها ويؤرخ لمآثرها ومواقعها الحربية وانتصاراتها على القبائل المعادية المعتدية، وقد قام السلاطين قديما وحديثا بكسب ود الشعراء ودفع آذاهم، فهم يعون جيدا أن الشاعر آلة إعلامية قد تهز عروشهم، ولأجل ذلك ظلت العلاقة بين السياسي والأدبي علاقة ملتبسة غير محمودة العواقب، فالسياسي يعرف جيدا أن الشاعر (طويل اللسان) والأدبي يعرف جيدا أن السلطان حاد السيف، والشاعر الحكيم هو من يعمل بالحكمة القائلة :رب كلمة قالت لصاحبها دعني، والسلطان الحكيم هو من يجعل سيفه فوق رقبة شاعره ويجعل عطاءه في بطن شاعره في آن واحد وان يكون قبل ذلك كله حاكما عادلا مرضيا لشعبه، وقد يخطئ الشاعر حين يطمع في العطاء من السلطان فيناله العقاب سجنا أو نفيا أو موتا، وقد يخطئ السلطان في تقدير حجم العطاء للشاعر فيناله الذم والهجاء والسخرية، وقطع لسان الشاعر اليمني وليد الرميشي يعد جريمة جنائية، فإذا كان الشاعر قد أخطأ في توظيف شعره لغرض سياسي فلا بد من محاكمة نزيهة له وعلنية حسب أحكام الشريعة الإسلامية، وإن لم يكن قد أخطأ فالمحاكمة تكون لقاطع لسانه، ولكن على الإنسان عموما أن يكون حكيما في أوقات الفتن وأن ينأى بجسده وماله وعرضه عن الأذى.
رئيس نادي الشرقية الأدبي الأستاذ محمد البودي تحدث قائلا:
لا شك أنها جريمة بشعة، لكننا قد سمعنا وقرأنا في تراثنا العربي القديم عن قطع اللسان حيث قال الشاعر العربي عبد يغوث بن ربيعه الحارثي في قصيدته الشهيرة:
أَقُولُ وقد شَدُّوا لسانِي بِنِسْعَةٍ أَمَعْشَرَ تَيْمٍ أَطْلِقُوا عن لِسَانِيَا
كما تذكر الأخبار أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد اشترى لسان الحطيئة بمبلغ معلوم حتى لا يتعرض لأعراض المسلمين وبالتالي فالعقلية العربية تؤمن بقيمة الشاعر وخطورة الكلمة التي يتفوه بها وهذا كان في الماضي أما الآن وفي ظل هذه الثورة التقنية والمعلوماتية فقد بدأ يقل دور الشاعر ويتراجع لذلك فما حدث كان صادما ومؤثرا لأنه يتنافى مع القيم الإسلامية والعربية، ويظهر أن هذه الشعرية في مجتمع قبلي لها تأثير فعال لكن أن يصل الأمر إلى قطع اللسان بهذا الشكل البشع فهو شيء مقزز ومنفر حتى وان كان ثمة اختلاف فكان يجب أن يتم الرد على ذلك الشاعر بنفس الأسلوب اعني من خلال الشعر وهذا هو الأسلوب الحضاري المفترض إتباعه ولكن ما حدث يعد بحق انحدار ويشي بخطورة الوضع.
الكاتبة الصحفية في جريدة عكاظ فاطمة آل تيسان فقد وصفت ذلك بقولها:
هي جريمة بشعة لقتل الإنسان وامتهان لكرامته بعض النظر إن كان شاعر أو سواه
وأما وقد استهدفت لسان شاعر فيعني أن شعره الذي علا بصوته قد أصابهم بمقتل وهذه قمة الانتصار!
وعلامة ضعف وهزيمة أمام أبيات شعر تقال فتلهب الملايين
لازال الطغاة في العالم يخافون الأديب والمثقف والإعلامي لأنه وحده من يعري جرائمهم ويكشف خزيهم وإن قطع لسان وليد الرميشي فقلمه وحروفه التي تنبع من الأعماق لن تستطيع قوى الطغيان الوصول إليها وستستمر في محاربتهم دوما
خبر القطع أتى مواكبا لنكسات الفكر التنويري في عالمنا العربي وإشارة على أن القادم سيكون اشد وليس من وسيله لكبح ذلك الاستبداد سواء بشجاعة القلم واستبسال الفكر فهما الأسلحة الفتاكة التي لا تقارعها بنادق ودبابات ظلامي عالم اليوم.
-