في ذاكرتنا الشعرية بقيت فوزية أبوخالد رمزا وحالة مضيئة، نستبقيها قصائد في خاصرة زمن صعب، مع تلك الأوراق التي أدهشتنا في البدء حيث القصيدة كانت باطنا عميقا وليس مجرد سقف أجرد وماكان مثلها يكبر ولايتوقف بل يزداد ويتكاثر باسم الإبداع والقصيدة فصارت فوزية أبوخالد نقاطنا التي لانستقيل منها بشيء وذاكرتنا الشاسعة حيث فرادتها المبكرة ليست محل اختلاف لأي تفضيل.. ليست فرادة فوزية أبوخالد في أنها كتبت ذلك النموذج والنص الجديد وقصيدة النثر في وقت مبكر فقط لأنه لم يكن يؤرقها أبدا مسألة البدايات ومن أوقد الشعلة من طرفها، بل كان نصا يحمل رؤية وتجربة مختلفتين على أكثر من صعيد، جاء نص فوزية أبوخالد ليدهشنا أكثر، وليشكل إضافة مهمة في وقت كانت الكثير من التجارب تصطدم بنظرة الناقد العربي حين يحسبها ضمن تجارب عربية أخرى سواء في تأثرها أو في مجايلتها. أيضا قصيدة فوزية أبوخالد منذ ديوانها الأول "إلى متى يخطفونك ليلة العرس" يحمل إلى جانب قيمته الفنية الإبداعية ألقهُ وتوهجه حيث يحتسبه النقاد من اوائل الدواوين في قصيدة النثر كما هو معروف على كل حال هذا من جهة ومن أخرى كان الديوان مليئا بذلك التوغل الذي يحمينا من الصمت وبالرياح التي تشف ولا تجف، وبأمراة تكتب مكاشفتها للحياة وللواقع وتقرب القصيدة من الحمى ومن نبض الشارع حيث لم تحبس الصهيل في الأدراج ولم تتوقف إلى حيث انقطاع الغد، كان البدء إذن وظلت هذه القصيدة، قصيدة أبوخالد مثل اشتعال دائم أو صفاء حنين تغدقنا بمواسم متجددة كل مرة وحاضرة حتى في غياب الحياة، بعد كل هذا جاء الوقت الذي حظيتُ فيه بحضوري لليلة تكريمها في ملتقى قصيدة النثر في القاهرة حيث كرمت كواحدة من رائدات قصيدة النثر، لكن فوزية أبوخالد حينها لم تجغرف حالتها ولم تغمض عينيها في المفازة، بل وجد الجميع أنها تلك الشاعرة الرائعة القريبة التي تسأل الجميع عن حالهم عن قصيدتهم وأجنحتهم وكان شغفها بكل ما هو جديد ومدهش ليس محددا ولا مؤطرا بل أوسع من المعنى ويشبه قصيدتها تماما. ولا أنسى دهشتي مع " شجن الجماد " النص الذي يؤنسن ويأتلف مع الموجودات كلها ويحيلها إلى حالة حضور نابض في حياتنا، شجن الجماد التجربة التي أكدت لي أكثر نجمة أبوخالد وقدرتها المذهلة على كتابة قصيدة النثر في شكلها ونموذجها الأكثر دهشة، وبعيدا عن قصيدة النثر، الشعر كونه الذي يغسل أوجهنا من المرآه والكلمات من القلم الرصاص.. هكذا ستظل فوزية أبوخالد شاعرة مؤثرة مثل مطر خفيف على النوافذ، وأجمل من كل الصيغ القاتلة. ستظل قصائدها حولنا وصميم استفاقتنا قادرة على استجلاء وقراءة داخلنا.
-