فوزية أبو خالد اسم مزروع في ذاكرة الإبداع الشعري للمرأة في هذه البلاد، بشكل يجعله شجرة تتمايل أغصانها هنا وهناك، وتدل على مكانها وشذاها من بعيد، سجلت في إبداعها قلق المرأة، نحو كتابة وجودها، أشواقها وآمالها، ضجرها وتمردها، أسرارها وتفاصيل معايشتها لعوالم الحياة، ابتدأ -كتابتها الشعرية بالإصرار على شكل جديد لهذه الكتابة، يعلن عن وجودها، ويسمح لكلماتها بابتكار وجود جديد، وحين تقول:
كنت أنتظر أن أجد في تركتك بذرة من جنان عدن
أغرسها في قلبي الذي هجرته المواسم
لكنني
وجدت سيفا بلا غمد منقوشا عليه اسم طفل مجهول وحتى لا أضيعه تفتحت كل مسامي أغمدة دافئة له إلى متى يختطفونك ليلة العرس
نجد النص الشعري الحامل لهذا الصوت القادم للأنثى، المهيئ لها لأن تحمل سيفا، هو القصيدة، كما أشارت فاطمة الوهيبي؛ يتخذ شكله الجديد الخارج، على النسق في الشكل الشعري، فليس بالعمودي الذي احتذته بعض الشاعرات تقليدا للشعر في نسقه التقليدي، وليس كذلك بالتفعيلي لدى شاعرات أخر؛ لكنه الشكل الذي حمل القصيدة الجديدة لدى فوزية بما فيها من عنفوان وتمرد، وهو الشكل الذي ارتضته ليتماهى مع الذات الأنثوية في قلقها وتمردها واحتجاجها ؛ ليكون ذلك النص الذي يخرج رغما عن محاولة الغمد؛ تقول:
غمدته في مهجتي فلم يسعه الجدار
غمدته في رئتي فلم تسعه النافذة
غمدته في خاصرتي فلم يسعه البيت وامتد
إلى الطريق ينتزع زينة الأعياد الرسمية من المدن
ويحرث المدينة لموسم عيد جديد
وتقول فاطمة الوهيبي عن هذا السيف:» هذا السيف الطفل القصيدة لم يسعه المكان والصمت، ولذا كان لابد أن يشهر ويصبح عيدا وفرح ولادة».
ولعلنا نستشف من مسام الاحتضان لهذا السيف، وإتاحة الفرصة له بالخروج في نشوة فرح، أن فوزية لم تشأ لنصها غمدا ولو كان بمجرد السير وفق تشكيل نسقي مألوف. وفوزية أبو خالد تنطلق في هذه التجربة عن وعي بضرورة خروج الإبداع عن النسق، فهي التي تقول في ندوة نسائية، عقدت لتنشر في دورية قوافل: « فالإبداع لا يكون إبداعا إذا جاء دائما متطابقا ومطيعا لكل أشكال التعبير المعلومة والمسبقة عليه.. عندها قد يسمى استنساخا أو تكرارا أو أي اسم آخر إلا أن يكون إبداعا..»
شعر فوزية أبو خالد حركة تستبطن علاقات غير مرئية يحدثها حس يستبطن وعي الأشياء، واحتضان صمتها لآهات وقلق ينبغي أن يسمع، على ما يشي بذلك قولها مشيرة إلى المكيف:
من يخالني ألطف الجو
لايعلم شيئا عن تجرعي
لكل تلك السموم التي
لاتتركني إلا وقد جربت
كل أنواع البكاء
وفي أوج استمتاعها ببهجة الحياة تجدها لا تنسى قلق ووجع من كان سببا في عوالم تلك البهجة، في صرخة إنسانية ضد نسيان أوجاع المنسيين والمهمشين، عل نحو ما يتجلى في نص لها عن القهوة:
أستمتع برائحة البن والهيل بكل حواسي
أترك عبيرها النفاذ ينكل بالذاكرة
فتشقني نصفين
أنفاس اليد التي شقت التربة
والأفواه التي اشتهت الفاكهة السوداء وأحضان الأثواب الرثة
التي التقطت القطاف.
-