تحديد كينونة القيمة في ذاتها إشكالية فلسفية؛ لتعدد جداول الاختلاف والاتفاق في تفكيك تلك الكينونة وآليات التأويل وأساليب الصياغة التعريفية وتمثيلاتها والصفات الاعتبارية المبني وفقها سلم درجات القيمة وتأثيرها كحافز إضافة أو عامل تطوير أو مسوغ تغير وتغيير.
وما يحول الفعل إلى قيمة أو الفكر إلى قيمة أو حتى الشكل إلى قيمة مخالفة أي منهم القانون التاريخي للزمن الواقعي عبر منظوماته التراثية والتواجد عبر خصائص الزمن الافتراضي. والمخالفة في ذاتها ليست صفة اعتبارية لتشكيل القيمة، فهي لا تشكل المعنى الاعتباري إلا عند ارتباطها بأمرين تراتبيين هما التأثير ثم الإنتاج من خلال مكونات الإضافة أو التطوير أو التغير والتغيير.
وهنا تتحول القيمة إلى دليل إرشادي للجماعة في كيفية صناعة قيمة جديدة، أو إعادة تدويرها لتجديد محتواها. وليس من المؤكد أن يحقق الدليل الإرشادي الوعي الجمعي لصناعة القيمة؛ لتفاوت الفروق الفردية والإيمان أو عدمه بقدسية القانون التاريخي الصانع للمنظومة التراثية.
لكن المؤكد أن كل قيمة هي بالضرورة حامل لدليل إرشادي «لنموذج إجرائي لدليل القيمة». والأستاذة الدكتورة فوزية أبو خالد لاشك أنها تمثل نموذجاً «لتحدي القانون التراثي للمنظومة الاجتماعية» وذلك التحدي هو الذي شكّل من تجربتها الإنسانية قبل الأدبية «دليل لمحتوى قيمة».
فالقيمة الكبرى لتلك التجربة هي الثورة التي قادتها لإسقاط نظام القانون التراثي في عز استبداده وتطرفه الاجتماعي نحو المرأة. فالدكتورة فوزية أبو خالد ظهرت في أشد مراحل التطرف الاجتماعي نحو كينونة المرأة «فالجسد والصورة والصوت ثلاث فتن» تساوي في القانون التراثي للمنظومة الاجتماعية «ثلاثة محرمات « و»ثلاثة طوالع نحس»، تجلب على الجماعة الهلاك وسوء المنقلب. لقد فهمت واستوعبت فوزية أبو خالد في مراهقتها خطورة تعّمد نظام القانون التراثي على ربط كينونة المرأة و وجودها الجسدي والفكري والصوتي بثالوث «الفتنة والعورة والتحريم».
وهو إدراك مبكر لتلك المصادرة الحقوقية لكينونة المرأة أبرزه عنوان ديوانها الأول «إلى متى يختطفونك ليلة العرس؟» الذي تقتحم من خلاله أزمة نظام القانون التراثي مع المرأة، وأزمة المرأة مع الخطاب الفكري لنظام القانون التراثي.
وظلت الدكتور فوزية محتفظة بهذين الخطين في خطابها الشعري والنثري حتى اليوم؛ لأن الثورة المضادة أقوى من ثورة الإصلاح. ومن يقرأ هذا الديوان سيلاحظ أن ما يميّز موضوعاته عدة دلالات منها؛ مقاومة وعي فوزية أبو خالد في المرحلة التي كتبت فيها هذا الديوان نظام القانون التراثي لعدم « تحويلها إلى فراغ» أسوة بالتشكيل النسويّ العام في مرحلتها، والبحث عن النموذج المفقود للوجود الحقوقي للمرأة في ظل نظام القانون التراثي، ومحاولتها تشكيل نموذج حقوقي افتراضي للمرأة يعوّض غياب النموذج الأصلي، ويؤسس «حكومة ظل» تحقق توازن علاقة المشاركة الإنتاجية بين الرجل والمرأة في مرحلتها.
ومن نافلة القول، فما يلفت نظر قارئ التجربة الشعرية لفوزية أبو خالد «تشكلات مفهوم الأنثى». فالأنثى عندها صفة تتحقق عند «المرأة الواحدة» وتغيب عند «المجموع أو النساء»، لأن «الواحدة» تمثل علاقة، و»المجموع» يمثل نظاماً، فهي حركت تجربتها منذ البدء من خلال نظام نسويّ افتراضي وهو ما صبغ تجربتها بمبدأ الثورية.
إن أهمية تجربة فوزية أبو خالد خاصيتها الاجتماعية وهي التي مكنتها من رفع مبدأ الثورة لإسقاط نظام القانون التراثي، وتلك الخاصية تختص بطبيعة المرحلة التي ظهرت فيها؛ بلوغ التطرف الاجتماعي نحو المرأة قمته. فكان مجرد الظن «بفرضية وجود المرأة على خارطة الإنتاج الاجتماعي» «فتنة».
فلاشك بأن المطالبة بوجود حقيقي لها كفاعل منتِج والاعتراف بمشاركتها بالتوازي مع الرجل كما نادت به فوزية أبو خالد من خلال «حكومة الظل» أو « القوة الناعمة» في ديوانها الأول «محرم» في نظام القانون التراثي.
وإذا كان خروج جسد المرأة المخفي لتغيّب هويتها الحقوقية يُوجب حد النبذ، فخروجها الصريح من خلال كشف الوجه وإظهار هويتها الحقوقية بعيداً عن أي وسيط ذكوري، يّوجب حد القصاص المعنوي.
وإذا كان صوت المرأة الخافت والسري «عورة» في نظام القانون التراثي، فالبوح الجهريّ لوجدانياتها المصاحب لهويتها الصورية لا شك بأنه «جريمة زنا فكرية» في ذلك القانون.
هذه هي طبيعة المرحلة التي ظهرت فيها فوزية أبو خالد؛ فالمرأة في هذه المرحلة كانت «كائن مُفرّغ» من الهوية والصورة والصوت، كائن داخل معتقل جبريّ ودائم بتهمة «الفتنة والعورة والحرام».
ثلاث ظلمات تحدتها فوزية أبو خالد وثلاث جيتوهات تمردت عليها وثلاثة تابوهات قادت ثورة لإسقاط نظامها الاستبدادي، وهذه هي قيمة تجربة فوزية أبو خالد.
أما اليوم فالمثقفة السعودية رغم ما حصلت عليه من مكتسبات ثقافية واجتماعية تشمل هويتها وصوتها وصورتها إلا أنها تفتقد إلى روح الدكتورة فوزية في بداياتها روح التحدي والشجاعة والثورة على استبداد نظام القانون التراثي.
لذلك لم تضف المثقفة السعودية إلى المكتسبات التي أسهمت في وجودها الدكتورة فوزية والرائدات من المثقفات أيّ شيء فكل ما حصلت عليه منح من نظام القانون التراثي، الذي سمح لها بكشف هويتها وصورتها وصوتها وصادر فكرها.
إن ثالوث «الفتنة والعورة والحرام» في نظام القانون التراثي مازال يصادر الوجود الحقوقي للمرأة اليوم لكن بصور تختلف عن مرحلة فوزية أبو خالد حتى حولها إلى ظاهرة صوتية!.
فالوجود السلبي للمثقفة في صناعة القرار الثقافي، وتغييب المرأة عن الانتخابات البلدية، شاهدان على أن المثقفة والمرأة بوجه عام اليوم في حاجة إلى قيادة ثورة لإسقاط استبداد نظام القانون التراثي.
أعتقد أن هذا هو الدليل الإرشادى لمحتوى قيمة التجربة الإنسانية للدكتورة فوزية أبو خالد لكل سعودية تسعى إلى تشكيل قيمة تاريخية، أو على الأقل إعادة تدوير التجربة الثورية لفوزية أبو خالد وغيرها من الرائدات لخلق حكومة ظل توازي حكومة السلطة الذكورية في المجتمع كخطوة أولى لتغيير نظام القانون التراثي.
-