طأطئ الرأس يا سليل التراب
فغدا أنت عائد للتراب
وامش هونا فأنت عابر درب
للفنا مثل درة أو ذباب
لا الغنى مثريا مصيرك كلا
لا ولا الجاه وأنيق الثياب
تتساوى خلائق الله موتا
مثلما في ثوابهم والعقاب
خفف الوطء وافتعال التعالي
أنت تأتي على طريق الذهاب
وتذكر فإن الذكرى تنفع
المريدين من ذوي الألباب
د. إبراهيم العواجي
هذه نظرة فلسفية مستمدة من واقع الحياة.. بلورة عقيدة إيمانية في نفس صاحبها، فرغم الجاه والسلطة والمؤهلات العالية، فإن الدكتور إبراهيم العواجي ذو رؤية أكثر وضوحاً للحياة والناس، منذ البداية، وحتى النهاية.. وأن الكل هالك وابن هالك مهما بلغت العظمة بالإنسان درجات الرقي في الثراء والجاه.
ولو أن كل إنسان حاسب نفسه وعمق مفهوم بدايته ونشأته ومنتهاه لوجد أنه غير حقيق بالاعتزاز والترفع والغلو في الرفاهية، واستخدام السلطة بشكل يتنافى مع أوامر الدين، وهذه نظرة قديمة وعاها العلماء والمثقفون والشعراء قبلنا.
ومع ذلك يظل الإنسان هو الإنسان غيه وبغيه وغروره إلا من عصم الله، فسلك به طريق النور نحو الهداية إلى حقيقة الإنسان، ومعرفة النفس للإنسان أتم معرفة، فإن الإنسان متى عرف نفسه وأن بدايته نطفة وأن منتهاه الموت.. حينذاك يعرف ربه فإذا عرف ربه سلك طريق الانعتاق من مظاهر الدنيا.
والتحذير من الاغترار بالحياة ومظاهرها ورد كثيراً في القرآن الكريم بصيغة التحذير حينا وبصيغة التقرير أحياناً أخرى { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } كما وردت كثيرا في الحديث الشريف (كلكم لآدم وآدم من تراب).
وقد تناوله العلماء والشعراء في الكثير من أقوالهم بالتفصيل حيث يقول الإمام الغزالي - رحمه الله -:
« اعلم أن المنهمك في الدنيا.. المنكب على غرورها.. المحب لشهواتها..يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت، وإذا ذكر به كرهه ونفر منه «.
لأن الموت لا يفرق بين غني وفقير وقوي وضعيف وملك ومملوك، فكلهم خلقوا من التراب وكلهم مصيرهم إلى التراب، سنة الله في خلقه منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها.
والدكتور العواجي يذكرنا بحقائق نراها ونحسها ونعيشها من تفاوت الناس في الجاه والمال والسلطان، ومع ذلك لم يذهب المعدمون، كما لم يبق الموجدون فكلهم يسيرون بخطى حيثية نحو الآخرة، فلا تكاد تميز بين قبر فلان وقبر فلان من الناس حتى لو وضعت عليه علامة فإن العلامة تزول بمرور الأيام وتذروها الرياح. ويواصل الدكتور العواجي التذكير في تساؤل مريرة.
أين من أشعلوا الحياة غلوا
وتلاشي علوهم كالتراب
أين من ظن أنه كل شيء
وانتهى عمره كمر السحاب
كلهم راح جائر وضعيف
بيد الموت لا يد الأسباب
-
- الخبر