«الشيخ الحقيقي لن يُذلَّك أبدًا، ولن يغرِّبك عن نفسك
سوف يعيدك دومًا إلى كمالك الأصلي ويشجعك على
التنقيب في الداخل».
لكل شيخ طريقة ولكل طريقة مريدون، ولا يعني عدم إيماننا بالطريقة بالضرورة بغضنا للشيخ، قد نختلف معه ولا نؤمن بما لديه وقد نؤمن بطريقته ولا نرتضي منه آخر، ذلك هو حالنا مع الدكتور عبدالله الغذامي شيخ الليبرالية الذي تاب عنها وضل أتباعه بعده أيما ضلال. وهو شيخ الطريقة الذي ترك مُريده يتامى بدونه، هؤلاء المُريدون اليتامى منه اليوم يرفضون حتى التقاطع معه في فكرة أو تداول المصطلحات التي مررها عبر كتبه باعتبارها فإما متطرفون في محبته أو مبالغون في ذمه. إن علاقة الشيخ بمريده تختلف عن علاقة الأستاذ بطالبه، مما يجعلنا نفترض أن طبيعة العلم الذي يتعامل معه الشيخ والأستاذ مختلفة، وهي كذلك إذا اعتبرنا أن العلم يعرف بموضوعه، بطريقته وبهدفه والغذامي هو من وضع نفسه مرشد اليبرالية الي سواء سبيلها خلال السنوات الماضية من خلال تجسيد دور المثقف الزعيم وهو أيضا من مرر أتباعه على تجربة مريرة قائمة على البراءة منهم ومما يسطرون سياقا ومضمونا وحضورا. ولأن التلامذة - والأتباع لم ينضجوا بما يكفي، ولم يخرجوا من جلباب شيخهم، ولم يختطوا لهم طريقة فقد تقطعت بهم السبل وأصبح التغريد خارج السرب غير مقبول، والتغريد على مقربة من انساقة غير مسموع. لقد أسقط الغذامي الليبرالية ومريديها « تلامذته» وأتباعه فسقطت فكرة التأثير والتأثر بالأشخاص - الرمز وظهرت حقيقة أن التعلق بالرمز يحدث اضطرابا لدى الأتباع بخلاف الإيمان بالمتغير كمنظومة كلية وليس « فردية «. من أجل فهم هذا الجانب ينبغي تقصي الكيفية التي يتم بها.
الليبرالية لم تكن يوما هي الغذامي كما لم يكن الغذامي هو الليبرالية، ما معنى أن تكون ليبراليا...؟ أو اتباعيا...؟ أو من مريدي الشيخ الليبرالي الذي ترك عصاه التي يتوكأ عليها، ومنبره الذي قال من خلاله كل ما أراد إلا أنه لم يقل لنا الطريقة التي على أتباعه أن يتعلموها ليُنتجوا المتغير ويُحدثوا التغيير من خلالهم وليس من خلال انضوائهم تحت مظلة لبرالية رجل واحد تركهم في عراء المكان فجأة دون خريطة نسق، أو بوصلة سياق. ذلك يرشدنا إلى أن الخلاص المعرفي يحدث بالداخل وليس في صورة الخارج بممثليه والذي كان الغذامي ممثله بشكل أو بآخر. فثنائية الشيخ والمريد في السياق الثقافي هي تنظيم داخل أشكال ثقافية عصية وهي ظاهرة الزعيم المطلق الذي يتحول فيما بعد متحررا مما يربطه بملقنية.
الليبراليون التلامذة لم يعملوا على إنتاج خطاب ولم يكن لديهم مشروع أو مكان يأوي يتمهم بعد أن فقدوا أبوتهم فمايستروا الليبرالية الذي عزف لنا على أوتارها زمنا طويلا فقد اليوم أوتار قوسه وأوتار قيثارته وعصى سليمان التي يتكئ عليها اللبراليون أكلتها الآرضة وهم في لبراليتهم منهمكون وذلك ما تنتجه عبادة الرمز معادلا لنظرية التابع والمتبوع وهو ما انتهى بالليبرالية إلى جماعات متفرقة لأهداف متناقضة وغير واضحة سببها الحقيقي والجوهري أن فكرة الحداثة والليبرالية كان ينظر لها على أنها ممثلة في (أشخاص) وهنا يكمن المأزق. قد يشعر الغريب أنه وحيدا، إنما أن يشعر الوحيد أنه غريب فذلك أصعب ذلك هو حال الغذامي أنه الرجل الذي سار وحيدا، فلم نعد نعرفه على أي صورة أصبح وعلى أي طريقة يُتبع. من رآه بعين المعلم الرمز وفقده أصبح وحيدا اليوم، ومن رآه وعرفه بعين العارف المتعلم المحب فلم يفقده.
لقد رأيته يوما وتبادر لي حقيقة الرجل الذي يسير وحيدا يحمل كتبا على ساعده الأيمن حدث حين شاهدت الدكتورعبدالله الغذامي يتجه للمغادرة من معرض الكتاب في مارس الماضي، راقبت وجوده من على مقربة كان يغادر وحيدا دون أية طقوس أو احتفاء، بينما المكان يضج باستقبلات كرنفالية لأشخاص آخرين لم يقدموا لنا إلا الضجيج فيما ظل الرجل الذي أمضى حياته حاملا مصباح ديوجين باحثا عن الحقيقة وحيدا. هذه الصورة الدرامية هي واقع الحياة المزيفة حيث يتحلق الناس وراء الأضواء مثلما تسقط الفراشات في النار. أردت أن ألحق به لأستوقفه وأتحدث معه لكني شعرت بمسافة كبيرة من الغربة الحقيقية اقصتني عن الفكرة إذ لم أصبح تلميذة في مدرسة الغذامي منذ زمن بعيد بينما هو أصبح المعلم الذي تخلى عن تلامذته ومريده بعد أن وصفهم بأنهم « لا شيء «. وقتها تذكرت أن على من كان في منطقته تلك أن يعلم أنه « لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنْ مُعَلِّمِهِ بَلْ كُلُّ مَنْ صَارَ كَامِلاً يَكُونُ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ. وأنني ممن رآه بعين العارف المحب الذي لم يفقده وسيظل كذلك.
-
salmoshi@gmail.com
- الرياض