منذ بداية الفن المفاهيمي في الخليج والكثير من فناني الإمارات والسعودية يعتمدون بشكل أساسي في شرح المفاهيمية على شرح أعمال الفنان الأمريكي جوزيف كوزوث، الذي أنتج عمله الشهير (واحد وثلاثة كراسي) عام 1965، وهو عبارة عن كرسي حقيقي، بجانبه صورة الكرسي، بجانبه التعريف المعجمي لكلمة كرسي. ومثله عمل (مسطرة)، الذي يعرض مسطرة حقيقية بجانبها صورة المسطرة، بجانبها تعريفها المعجمي، فإن هذا النوع من العرض اختصر سؤالاً عن مفهوم الدلالة: هل الشيء يدل على حقيقة الشيء، أم صورة الشيء، أم تعريفه اللغوي؟.. وهو صاحب عمل النيون الشهير جداً المكوَّن من أربع كلمات (جملة من أربعة ألوان)، الذي جاءت فيه كل كلمة من هذه الكلمات بقطعة نيون ذات لون مختلف. هذا التوجه الذي ينال حظوة مميزة لدى فنانينا في الحقيقة يمثل أصبع اتهام للأعمال المفاهيمية المقدَّمة؛ فحين يأتي المثال أصيلاً بمستوى الصفاء الذي قدمه جوزيف كوزوث من خلال بحثه الفلسفي والفكري المتطرف جداً حدَّ التهميش الكامل للشكل يصبح المتوقع من المقتدين به أن يقدموا جزءاً من هذه الجدية في إعارة المفهوم الاهتمام المفترض..
كي تتوضح أكثر جدية كوزوث فإن علينا أن نبدأ من فهمه للفن نفسه ومهمته التي يراها كوزوث في السؤال الدائم عن ماهية الفن الخاصة والإسهام في توضيح السؤال حول ماهية الفن. يقول كوزوث: «التعريف الأنقى والأدق لفن المفهوم قد يكون: البحث في أسس مفهوم كلمة (فن)، من حيث إنه يأتي لإفادة معنى». جملته التي من بعدها وهو ينتج أعمالاً تُمدِّد وتُوسِّع السؤال الأساسي حول معنى (الفن) إلى موضوعات وسياقات فلسفية وأدبية ونفسية سيكولوجية، والتي من قبلها، ووصولاً إلى هذه النتيجة، قام بتكبير المعاجم اللغوية للمفردات والمصطلحات المجردة كمفردة (المعنى) أو (لا شيء) من خلال سلسلة عنوانها «الفن كفكرة كفكرة»، التي من خلالها أوضح أن اللوحات ليست المعنية بفهمها بوصفها فناً، وإنما الأفكار التي أنتجت هذا التعبير. في بحث أعقبه آخر أكثر جرأة قام فيه بالاستغناء عن عرض أي شيء مستبدلاً هذا بنشر مقالات من المعاجم والموسوعات والوسائط العامة الأخرى مع عدم ذكر أسماء كتابها مقدِّما إياها كملاحظات حول الفن.. جوزيف كوزوث يقول ويؤمن بأن «الفن هو تعريف الفن»، بينما (مفاهيميونا) هم أكثر تطرفاً في اتجاهات أخرى قد تكون سياسية أو دينية، إنما لا تتعلق بالفن والبحث في ماهيته. ومع الأخذ في الاعتبار ضرورة التنوع إلا أن الجهد المفاهيمي المبذول في البحث، الذي بالضرورة يراكم وعي الفنان ويصنع منه فناناً ذا أهمية خاصة، يجعلنا أمام سؤال حقيقي عن المفاهيمية لدينا: هل هي في عرض (المختلف)، وبالتمسك بمجرد الفكرة مهما تهلهلت.. أم هي في اقتفاء جهد الأمثلة المحتذى بها التي أطلقت الفكر المفاهيمي في الفن من أجل الطاقة البحثية الكبيرة من خلاله؟ الكثير من الثقافة وجدية البحث تتعلق بالمنتج المفاهيمي اليوم، وإن كان ولا بد لنا من اعتماد المفاهيمية بوصفها فناً يليق بالمعاصرة اليوم فإن علينا أخذ الفكرة بجدية والبحث بجدية أكبر.
* عنوان مقالة لجوزيف كوزوث
-
الرياض