حول الروائي البيروفي الحائز على نوبل في الآداب هذا العام خطابه الجميل في حفل استلامه الجائزة إلى سطور رائعة في مديح الكتابة والتخيل. كان «يوسا» السبعيني هو أكثر أديب ربما تأخرت عنه الجائزة لسنوات طويلة منذ ترشحه لها في بداية الستينيات، لكنها جاءته في النهاية قبل أن يودع الحياة نفسها.
يبدأ يوسا أول كلمات خطابه بقوله: تعلمت القراءة في سن الخامسة بكوليج لاسال في بوليفيا، وهذا أهم ما حصل في حياتي. فقد حولت القراءة الحلم إلى حياة، والحياة إلى تهيؤ، لما وضعت عالم الأدب في يد الولد الذي كنت. وقد حكت لي أمي أن الأشياء الأولى التي كتب هي تتمات الحكايات التي كنت أقرأ؛ لأننى كنت أحزن بانتهائها، وإننى أريد تصحيح النهاية. وربما كان هذا ما فعلته طيلة حياتي من غير أن أعلم: أن أمدد في الزمن وأنا أكبر، وأنضج، وأشيخ الحكايات التي عمرت طفولتي بالحماس والمغامرات.
لكن رغم تلك المحبة المبكرة للكتابة والقراءة إلا أن الرجل يعترف في خطابه أنه لم يك ثمة أصعب من كتابة الحكايات، فبمجرد ما تتحول إلى كلمات، تذبل المشاريع فوق الورق، وتتراخى الأفكار والصور. أما كيف إحياؤها؟ من حسن الحظ أن هناك أساتذة وأدباء عباقرة كثيرون استطعت التعلم منهم.
ويجزم حامل نوبل الحالي أنه بفضل الأدب، والوعي الذي كون، والرغبات والهالات التي ألهم، وخيبة الأمل في الواقع إذ تمتصها قصة جميلة، بفضل هذا أضحت الحضارة اليوم أقل رعبا مما كانت عليه حين شرع الرواة في أنسنة الحياة بحكاياتهم. ولكم كنا سنصبح أسوأ مما نحن عليه بدون الكتب التي قرأنا، أكثر محافظة، وأقل وسواسا، أكثر خضوعا.
ويلاحظ في ذكاء أنه على الذين يشكون في أن الأدب الذي يغمرنا بحلم الجمال والسعادة، وينذرنا، فضلا عن هذا، ضد كل أشكال الاضطهاد عليهم أن يتساءلوا لماذا يخاف الأدب كل تلك الأنظمة المهووسة بمراقبة سلوك مواطنيها من المهد إلى اللحد، إلى حد وضع نظم رقابة لقمع ومراقبة الكتاب المستقلين.
ولم يفت «يوسا» في مديحه الجميل للأدب أن يقول إن الأدب الجيد يمد الجسور بين ناس مختلفين، وهو بإمتاعنا، وإبهارنا أو إيلامنا يوحدنا، مخترقاً اللغات والأديان، والعادات والتقاليد والأحكام المسبقة التي تفرق بيننا.
-
Albassamk1@hotmail.com