لا شك أن الطبيعة هي المعلم الأول ولا شك أن مصادر الإلهام فيها غنية وكثيرة ولهذا كانت ولا زالت الطبيعية بكل تفاصيلها وبيئاتها مصدر إلهام للفنانين في مختلف أقطار العالم ومنهم الفنانين السعوديين الذين سجلوا ووثقوا الكثير من هذه المظاهر التي استعرضنا كثيرا منها في الأعداد الماضية واليوم نقف عند جانب وجد فيه الكثير من التشكيليين مادة غنية أبدعوا منها كثيرا من اللوحات أو المنحوتات تلك هي أنماط البناء وما يتبعها من تصاميم ذات خصوصية لكل منطقة من مناطق المملكة شمالها وجنوبها شرقها وغربها، ففي نجد تبرز الزخرفة الشعبية على الجدران الخارجية للمنازل إضافة إلى الزخم الكبير من الزخرفة الجصية التي تزدان بها غرف الجلوس أو ما يظهر على الأبواب من جماليات تتمثل في النقوش الملونة إلى آخر المنظومة، كما نجد الأنماط الأخرى في المنطقة الغربية وما يبرز فيها من تميز بالرواشين والأقواس وخلافها أما في الجنوب فللبيئة الخضراء التي تكتسي بألوان الورود والزهور وقت الربيع شكلا آخر يختلف عن الأنماط السابقة فالبناء بالحجر يكمل بتجميله بالزخرفة الجصية من الخارج أما في داخل المنازل فالألوان تأخذ مكانها ومكانتها بالخطوط التي تشكل المثلثات والمربعات المعبأة بالنقط ورموز الزهور المبسطة.

هذه العناصر وما تحمله من إيحاءات جمالية دفعت التشكيليين إلى استلهامها وتوظيفها كل بطريقته وأسلوبه ووسائطه رسما أو نحتا أو تشكيلا بالخامات منهم من أحالها إلى قطع جمالية ومنهم من أظهر فيها الأسلوب الهندسي المتبع في تقارب المنازل وتشابكها كما هي قرى نجد ما يدل على قيمة العلاقات بين المجتمع الواحد مجتمع القرية. كما هي أيضا في المناطق الأخرى التي تشكل لحمة واحدة اسمها المملكة وطن ذابت فيه كل التفاصيل فأصبح كتلة واحدة تمازجت فيه العادات والتقاليد والقيم النابعة من الدين الإسلامي.

تلك اللوحات مع تنوعها واختلاف أساليب الطرح فيها قربتنا كثيراً من واقعنا القديم وأبقت للذاكرة البصرية مرجعية لا يمكن تجاهلها جمع التشكيليون فيها بين الجمال وبين الموروث.

وفي هذه الحلقة من طرحنا لمصادر الإلهام عند التشكيليين السعوديين اخترنا نخبة من الأعمال لعدد من التشكيليين دون تحديد لقدم تجربة أو حداثتها أو أسلوب وخلافه بقدر ما كان الغرض منها تبيان بعض تلك الملامح من جمال تلك المصادر.

فنرى في لوحة الفنان الدكتور محمد الرصيص وانتقائه لنماذج من الزخرفة الشعبية الجدارية منها خارج المنازل أو ما يتم توظيفه داخل المجالس وغرف الاستقبال أو ما تزين به الأبواب أما الفنان فؤاد مغربل فقد جاء اختياره للزاوية التي تظهر التقارب الحميم والتلاحم في المباني الحجازية ونمط البناء وإبرازه للرواشين التي تشتهر بها الحجاز عامة كما نشاهد في لوحة الفنان علي الرزيزاء من نثل للزخرفة من الأبواب بالإيحاء أحيانا وبالمباشرة أحايين كثيرة منها الزخرفة المتميزة في أبواب بيوت نجد ومن أنماط البناء أو مصادر الإلهام في المنطقة الشرقية فقد برزت في أعمال الفنان أحمد المغلوث الذي وجد في نمط البناء في الأحساء ما يستحق أن يمنح حقه في لوحاته، كما نشاهد في لوحات عبد الله الشلتي كيفية بناء المنازل القديمة في عسير التي تتجه رأسيا لتستوعب أكثر السكان فيها فأصبحت أدوارا متعددة ونختم بمسك المبدعين الرواد الفنان عبد الله الشيخ الذي جمع بين النمط في البناء في القرية وبين الحياة الاجتماعية والعلاقات الأسرية فيرزت الزخرفة والنقوش والمحيط العام لواقع المنازل المحاطة بالمزارع والنخيل.

-