في لوحات شعرية متوامضة تجسد ديوانه الجديد "أنت النساء" يطل الشاعر علي أبو هاشم على القارئ حاملاً هم الشعر ومثقلاً بوجع القصائد التي تحمل شعار الوعي، وترتق الفارق بينه وبين همومه الإنسانية، ومعاناة الوجدانية حينما يحمل الوعي في زم "ألا وعي" أو يقول الشعر في عالم "ألا شعر"، فهو الهاجس في تقديم رؤية بانورامية جمالية تسترشد في جماليات الشعر.
فالقصائد الأولى في ديوان علي أبو هاشم "أنت النساء" زلزال صغير يهدم مقومات السكون، ويعيد حراك الأشياء، إلا أنه يحافظ على بناء وعي شعري غير متكلف، لتأتي كل قصيدة على هيئة رسالة مقتضبة تستلهم التاريخ كما في قصيدته "خيول" حينما يزاوج بين رؤيته للمرأة واستطراد التاريخ:
"مغرية أنت لخيول الفاتحين
فعيناك يسكنهما الفيروز
وشفاهك نهرا نبل مجنون
وثغور جسمك بلا حامية
فكيف تأمنين الغزو؟
وكيف مني تأمنين؟!"
يطوف الشاعر بنا بين ولع القصيدة ودهشة أختها، وبين الفكرة المتألقة وما حولها من تراكمات زمن لا يجد الشاعر فيه بدّاً من نبش هذا التراكم الوجداني الهائل حتى يصقل لنا الفكرة كجوهرة خرجت من بين ركام الكلمات، ليذيع أسرار الفتنة الشعرية التي يتصدى لها بقاموس مشبع بمفردة رقيقة يسكنها الوعي.
يعالق الشاعر في وصفياته بين القصيدة والأنثى المحفزة، إذ لا يكف عن البوح اللاعج في بعداء المسافة بين الحلم والحب حينما تسكن القصيدة في أبراج الشاعر العالية، فيما يظل الواقع مجافياً حقيقة الحب، وباحثاً في لهاث عن قصة زمن لا يؤمن الكثير فيه بهذه الرؤى الوجدانية إلا أن الشاعر أبو هاشم يُضَمِّنُ برقياته الشعرية هواجس الممكن في ميلاد حب واعد.
فالديوان الذي حمل أبجدية الأنثى حتى في عنوانه "أنتِ النساء" لم يشأ أن يقارب الحالة الوجدانية في جدليات الرجل والمرأة وقبلهما خطاب التاريخ المثقل في مناحة الوجد واللوعة والفراق والغياب في سير الحب منذ الخليقة.
"يا بحراً من الحرير
والجوهر ..
أحبك، وحب الساحلي
غوص ودرر
وثبات لا يفسر.."
فلا يجد الشاعر أبو هاشم مندوحة من مخاطبة الحسناء لا بوصفها كائن فاتن يسترعي الاهتمام اللحظي إنما بوصفها بوصلة حالة حاذقة ترشد للحياة التي يجدر بنا أن نكون عليها على نحو قصيدته "إلى حسناء" حينما يجد أنها أمثولة يمكن للشاعر أن يصنعها، ويخلق منها هذا البعد الآسر رغم أنها في الواقع لا تعدو كونها امرأة أقل من عادية:
"يا من تعبثين
كراقصة يهزها
ألف طبل..
يا من مشيتي
على جثتي إليه
بكلام ناعم ورمش أكحل.."
وبما أن الديوان أضحى رسالة بوح تلتقط فيها معاني الوجد الإنساني حينما تتقاطع مع جملة من صيغ المعاناة التي يواجهها وعي الشاعر الذي يجد في الشعر ضالته المنشودة، لينشد هذه المقاطع الوجدانية وهو يعزف على أوتار الحب الذي يشير إلى إمكانية أن يحقق المعجزات، فيكون الشعر في هذه الرسائل الوجدانية هو البيان الصريح حينما يدرك الشاعر أهمية البوح دون تلميح أو تصنع أو مجرد عويل يطرق باب الذكريات البالية عن حب عبر إلى المجهول.
ديوان "أنت النساء" للشاعر علي أبو هاشم اتسم بالاقتضاب غير المخل، حيث تواترت القصائد على نحو إيقاعي سريع يحقق شرطية القراءة الممكنة للديوان إذ لم يطنب في وصفيات ما رامه من مشاهد معبرة ذات بعد استشرافي جميل.
* * *
إشارة:
أنتِ النساء (شعر)
علي حسن أبو هاشم
دار الحرف العربي بيروت (ط1) 2010م
يقع الديوان في نحو (80 صفحة) من القطع المتوسط