الثقافية - عطية الخبراني
يدخل الصالة مهيباً هيبة العلماء الأجلاء والجمهور من كافة الأطياف بانتظاره، لم يكن دخوله عادياً، يجلس ليقدمه مدير الجلسة واصفاً إياه بالعالم والموسوعي والمفكر وهو كذلك ولا شك، ليترك له فرصة الحديث بعدها فيبدأ بدعاء يعطر به روحانية الأمسية ونفسها الفكري العالي.
ثم يسترسل في الحديث فيشرق ويغرب بالجمهور في أمور فكرية ودينية شتّى، يحلل ويدلل ويعضد رأيه بدليل أو حجة فيأتي على الطقوس والمتصوفة والأفكار الماركسية والشيوعية ومدى تأثر العالم الإسلامي بها، ليصل إلى أن السلفية ليست هي الوحيدة على الصواب، وليت الوقت أسعف ليسهب عالم جليل كأبي عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري في محاضرته تلك التي كانت إحدى أكثر الفعاليات حضوراً جماهيرياً، ينهي محاضرته وفي قلبه وعقله الكثير من التفاصيل ليقولها غير أن وقت المحاضرة التالية قد أوشك على الدخول ولا بد من ختام، من أكثر لحظات الليلة صعوبة عندما أعلن الشيخ الظاهري بعد سؤال أحد الحضور أن «صدري ضاق لأنني فُهمت خطأ، وكنت أخاف من هذا» حين سأله سائل عن كيف يمكن أن نوفق بين قولك أن السلفية ليست الوحيدة على صواب وبين الحديث الشريف «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين» ليعود ويفصل رأيه مجدداً، وليخرج الشيخ محفوفاً بالتقدير والقبل على رأسه كما دخل.
كان من أكثر الأشياء الملفتة في المعرض عدد الزوار والقوة الشرائية للكتب والتي وصلت إلى أكثر من 35 مليون ريال سعودي، ليبقى السؤال المطروح في الأوساط الثقافية والمهتمة بالتنمية الفكرية والرأي الجمعي.. هل نحن نقرأ؟ وإن لم نكن كذلك فماذا يعني كل هذا الإقبال وكل هذه القوة الشرائية التي باتت الرقم الأصعب في معارض الكتب الدولية على مستوى العالم العربي لتصنف معرض الرياض في مقدمتها شرائياً؟.
كعادة نفسه الطيبة وعقله الذي يقبل كل الأطياف يجلس وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محي الدين خوجة أمام صالة مليئة بالمثقفين والمثقفات والإعلاميين والمهتمين ليقول كلمةً ثم يضع نفسه في موضع الأسئلة والتي قد يكون بعضها محرجاً، لكنه يتجاوز كل ذلك ويقول: «أنا مسؤول ولا بد أن أجيب على أي سؤال، وسأخبركم حين لا أستطيع الإجابة وبكل شفافية».
يجيب على طلب أحد الحضور وهو يطالب الكتاب والإعلاميين بألا يسموا الذين قادوا حملات المناصحة داخل المعرض بالمحتسبين وإنما وصفهم بالمتشددين فيقول «هم محتسبون ولا بد أن نقبل الكل وليس لدينا مشكلة مع أحد أو مع الاسم، المشكلة في طريقة المناصحة وأن تكون باللين».
يطالبه أحد الحضور بمنع بعض المقالات التي يراها المداخل أنها تسيء للعقيدة أو الدين أو تحمل أفكاراً خارجة عن السياق المجتمعي فيرد «الساحة مفتوحة للجميع وكل مقال شاذ يرد عليه بمقال والأفكار لا تمنع فأنا أستطيع أن أقتني أي كتاب أريده في العالم عن طريق «الآيباد» في ظرف دقائق».
وحين يأتي الحديث عن مخصصات الأندية في الأوامر الملكية الجديدة يعترف ببيروقراطية وزارته وأن الأندية أعرف باحتياجاتها وأدرى بعملها.
ينتهي تسوق الضيوف كل ليلة في المعرض ليتجهوا إلى الفندق المعد لإقامتهم ليبدأ مشروع عمل جديد وحميم يضمهم كلهم في موضوعات مختارة ومتنوعة في المقهى الثقافي الذي يديره الإعلامي محمد عابس، فليلة للملاحق الثقافية وأخرى للدراما وثالثة للفنون التشكيلية، ثم يتحلق الضيوف في جلسات ودية في بهو الفندق ليطيب السمر ويأخذهم الحديث في شجون متعددة وقضايا كثيرة كل حسب اهتماماته.
من أكثر ما يلفت في المعرض أيضاً هو التجاوب السريع من القائمين عليه مشرفاً عاماً ومديراً وموظفين وتلك ربما إحدى أبرز المميزات، فلا يجد الإعلاميون صعوبة في الإجابة على سؤال أو التأكد من تصريح.
لعل أكثر الأحداث درامية في المعرض تلك التي بدأ بها من المحتسبين ثم يعاود المطر ذات الصورة وبشكل مختلف هذه المرة ليكون هو الختام وليلملم أصحاب الدور كتبهم الغارقة،
لكن العزاء في وعد مدير المعرض بتعويض أصحاب دور النشر بالاتفاق مع الغرفة التجارية الصناعية.
اُختتم المعرض وأسدل الستار وستتوقف الأقلام المادحة والقادحة والمؤيدة والمعارضة حتى العام المقبل لتبقى بعض النهايات مفتوحة وبعض الأسئلة بحاجة إلى أجوبة وليبقى ترقب المتابعين حتى يحين الموعد القادم.