كان الفنان السعودي عبدالإله السناني موفقاً ليلة البارحة بطرحه العلمي والواقعي في محاضرة بعنوان «الدراما التلفزيونية السعودية» ضمن برنامج المقهى الثقافي لمعرض الرياض الدولي للكتاب. حيث استعرض السناني في محاضرته تاريخ الدراما التلفزيونية في الوطن العربي بشكل عام وموقع الدراما السعودية من هذا التاريخ، كما تحدث عن مقوّمات صناعة الدراما وأهم المعوّقات التي تقف في وجه تحوّل الدراما السعودية إلى صناعة حقيقية، مستشهداً بوضع السينما في السعودية وما حققته من إنجازات على يد المخرجين الشباب وما يمكن أن تنتهي إليه إذا لم تجد دعماً من الجهات المسؤولة عن الثقافة والفنون.
والحقيقة أنني استمتعت بالمداخلات الثقافية ربما أكثر من الطرح نفسه، وأعجبني حالة الشفافية التي وصل إليها المتلقي السعودي سواء كان من فئة المثقفين أو من الجمهور العادي، هذا هو الفنان السعودي محمد المنصور يطالب وكيل وزارة الثقافة لشئون التلفزيون بالحضور مستغرباً عدم حضور الوزارة في موضوع كهذا بينما ترد الممثلة والمذيعة سلوى شاكر بأنه كان العام الماضي موجوداً فماذا عمل للدراما؟.
وحقيقة الأمر أن الدراما السعودية ربما كانت في السابق أقوى من الآن من حيث بنية العمل الدرامي، فالأعمال الدرامية تتجه للتكامل وفق منظومة فنية أنتجت لنا أعمالاً متنوعة من مناطق مختلفة من بلادنا كالحجاز ونجد والمنطقة الشرقية، وفي الوقت الذي تطورت فيه صناعة الدراما في العالم نلحظ تراجعاً ملموساً في الدراما المحلية، فلنأخذ مثلاً مسلسلنا الأبرز طاش ما طاش، حيث لم يعد ذلك المسلسل الذي أشغل الناس وساهم في حراك مجتمعي لا أحد ينكره، وقس عليه بقية الأعمال المحلية التي تتجه بكل أسف إلى السطحية والإسفاف أحياناً مما أوجد قاعدة مشاهدين تنصرف بمحض إرادتها إلى الإنترنت لمشاهدة عالم جديد قادم في الخفاء عبر «اسكتشات كوميدية « قصيرة تعرضها اليو تيوب وتصرف عليها أيضاً مغرية هؤلاء الجيل الجديد بالاتجاه إليها كبديل متوقع في ظل هيمنة البيروقراطية على مؤسسات الدولة الثقافية، هذا البساط الجديد ربما ينسحب من الدراما المحلية الرسمية في ظل العقبات الكثيرة التي تعترض طريقها رغم التطور العالمي للصناعة وسهولة وتوفر التقنيات الحديثة التي كان تشكل أكبر عقبة لأنها لا تتوفر إلا في استديوهات مصر ولبنان والكويت فيما بعد، الآن بإمكان مجموعة شباب وبكاميرا بسيطة عمل مجموعة اسكتشات قصيرة تلقى الرواج في العنكبوتية، ولاحظوا نسبة المشاهدة العالية وكمية الردود في واقع جديد بدأ يفرض نفسه في غفلة من الثقافة والتلفزيون السعودي لأن هذه الأعمال ببساطة تعبر عن المشاهد المحلي وتحاكي قضاياه، ولن أتحدث عن ما أثاره الكثير من الحاضرين وخصوصاً ما ذهب إليه الأستاذ علي الشهري (كاتب درامي) من وجود محسوبيات في إجازة النصوص الدرامية للتلفزيون وعن قلة ثقافة بعض مجيزي النصوص الدرامية وما إلى ذلك.
وخلاصة القول إنه رغم توفر التقنية الحديثة ورغم القاعدة الصلبة التي تتكئ عليها الدراما المحلية ورغم توفر وكثرة كتاب النصوص والسيناريوهات والأدباء من كتاب الرواية والقصة لا تزال الدراما السعودية تمشي برجل واحدة في الوقت الذي تركض فيه الدراما العالمية وتسابق الريح كصناعة مربحة ومفيدة للبلد، تخيلوا سنة من السنوات بلغ دخل بلد متأخر دراميا مثل أسبانيا في صناعة السينما بلغ دخل الدول العربية مجتمعة في عام، فما بالكم بدخل دول مثل أمريكا والهند، إذا ما علمنا أن الإعلان السعودي يكلف ملايين كثيرة، فأين تذهب هذه الملايين إذا لم نشاهدها في المكان الذي جاءت منه؟.. وأنا شخصياً أرى أننا بحاجة إلى رجل مثل زكي طليمات، هذا الرجل الذي تأكدم في فرنسا وتخصص ثم جاء ممثلاً ومخرجاً ومؤلفاً، حيث ساهم في نشر ثقافة الفن الدرامي في مصر وتونس وفي الكويت، والكل يعرف دوره في بناء المسرح الكويتي وفي تخريج نجوم الكويت المعروفين من الممثلين الحاليين خالد النفيسي وحسين عبدالرضا وغيرهما الكثير، نحن بحاجة إلى رجل درامي عظيم يقفز على مشاكل التلفزيون ووزارة الثقافة ويصنع جيلاً جديداً بمؤهلات درامية حقيقية تنبع من الشارع السعودي ثم تخرج للعالم الذي سيحتفي بها لأنها تستلهم التراث المحلي تماماً، مثلما استقبل العالم العربي مسلسل باب الحارة السوري، وليالي الحلمية المصري ودرب الزلق الكويتي، فلا بد أن ننطلق من واقعنا وتراثنا الثري بمناطقنا المتعددة وبثقافاتنا المتنوعة ولكن بأدوات حديثة ومقنعة، فمتى يأتي زكي طليماتنا المنتظر لينقذ الدراما السعودية من هذا الصداع المزمن؟.
Mk4004@hotmail.com
- رفحاء