هذا عنوان رسالة الماجستير التي كتبها دخيل بن غنيم العواد، تقع في 476 صفحة، جعلها الباحث في مقدمة وتمهيد وستة فصول وخاتمة وذيلها بفهارس وثبت بالمصادر والمراجع. والباحث يرى الإجماع أصلاً من أصول النحو، ولكن النحويين أغفلوا ذكره في التنظير لتلك الأصول على الرغم من كثرة ورود الإجماع في كتبهم، ورأى أنّ من واجبه أن يسدّ هذه الثغرة، فبدأ بتعريف الإجماع في اللغة والاصطلاح، ثم عاد إلى تتبع تاريخي في الفصل الأول، تناول فيه تطور مصطلح الإجماع عند النحويين، وانتقل في الفصل الثاني إلى مسألة مهمة تتعلق بحجيّة الإجماع، ومن الطبيعي أن يكون موضوع الفصل الثالث مستند الإجماع؛ لأنّ من يذهب إلى حجيته إنما كان منطلقًا من ذلك المستند، فإذا جاء إلى الفصل الرابع اطمأن الباحث إلى قبول أصولية الإجماع فدعاه هذا إلى معالجة أركان الإجماع كما عولجت أركان القياس، وعلى نحو ما يعرض للعلل من قوادح وللقياس من مفسدات كان للإجماع عوائق، وهذا كان موضوع الفصل الخامس، وأما الفصل السادس فهو بحث لهذا الأصل عند المحدثين الذين كانت لهم مواقف متباينة من النحو كلّه. والسؤال الذي يلازم قارئ هذا العمل الضخم هو: لم أغفل النحويون الإجماع فلم يجعلوه من بين أصول النحو إلى السماع والقياس والاستصحاب؟
كان الباحث وقفنا على نوعين من الإجماع؛ أما الأول فهو إجماع العرب في استعمالها للغتها، وأما الآخر فإجماع النحويين، إذن نحن بين مسألتين الأولى الظاهرة اللغوية الموصوفة والآخرة تفسير تلك الظاهرة ووضع الأحكام النحوية لاستعمالها، وأما الظاهرة التي هي مظنة إجماع العرب في تلفظها فهذا ما يتناوله الأصل الأول والثاني من أصول النحو المعروفة أي السماع والقياس بمستوى من مستوياته، وهو القياس الاستعمالي، ومعنى ذلك أن ما أجمع العرب على استعماله مما كان له نظائر كثيرة يقاس عليه ما لم يجد استعماله. وأما ما خالف ذلك القياس، فجاء نزرًا أو لا نظائر له؛ فإجماعهم على استعماله هو ما يسمى بالسماع الملزم بمتابعته وإن عاند القياس؛ إذ لا قياس مع السماع. وأما ما يسمى بإجماع النحويين فهو أمر متوقف فيه؛ إذ هو أقرب إلى متابعة بعضهم بعضًا في الأقوال، مع أنّ خلافاتهم كثيرة في أكثر المسائل، وإن من الدور المنطقي القول بأن إجماع النحويين أصل للنحو أي للتقعيد؛ إذ إجماعهم إنما هو على ما قعّده مقعّد سابق على الإجماع نفسه، وإن يكن إجماع العرب ملزمًا للمستعمل والمقعّد معًا فإنّ عمل النحويين ليس ملزمًا لأحد وإن تواطأوا عليه، ولولا هذا ما كانت الخلافات بينهم، ولما أزرى السهيلي على من قال بتمكن الأسماء، ولما ردّ صاحب المُشرق القول بالعامل، ولما كان للمحْدَثين أن يلتمسوا من طرائق تفسير ظاهرة التصرف الإعرابي ما اطّرح طائفة من مقولات النحويين ومسلماتهم كقول النحويين بالحركة التي قبل المد، وكتقديرهم الحركة على آخر المقصور والمنقوص. والذي انتهي إليه أن إجماع النحويين ليس أصلا من أصول النحو؛ ولكنه حجة لدفع قول المخالف في مسائل الخلاف.
وأرى هذا الباحث الجاد قد وفق إلى جمع شتات الموضوع، وحاول إضاءة جوانبه على النحو المشار إليه، وهو عمل جدير بالقراءة والتأمُّل والمراجعة، ويحمد للباحث غزارة مراجعه وحسن استفادته منها ولغته الواضحة.
* الرياض