هذه السؤال الذي يحمل عنوان المقالة قد طرح قبل ذلك، لكن ليس هناك جهة علمية - على حد علمي - قد تصدت لمعالجة هذا الأمر الذي أراه مهمًا ويجب بحث هذا الأمر على محمل الجد، وتكمن المشكلة في أهمية علامات الترقيم لأنها تساعد كثيراً على فهم النص، وربما حلّت إشكالاته، خاصة أن القرآن يقرأه العرب وغير العرب وهم الأكثر، وفي رأي الكثيرين أن علامات الترقيم قد تساعدهم على فهم المقصود من المشرع لهم، فكيف يفهم غير العربي مقاصد الأساليب من استفهام ونفي وتحضيض وتعجب وأمر ونهي وغير ذلك من الأساليب التي يتعدد معناها على حسب المتلقي.
والعلماء في أمر علامات الترقيم بين مؤيّد ومعارض وحجة المعارض في ذلك أن علامات الترقيم أمر لم يكن معروفاً عند العرب، وأننا لو رقمنا الآن المصحف فإننا مضطرون بعد فترة من الزمن لإدخال علامات أخرى تكون مستحدثة وبلغات متعددة، فربما كان لبعض اللغات علامات ترقيم غير التي عندنا؛ كاللغة الباكستانية والهندية والفلبينية والصينية، ومعنى هذا أن كل نسخة من المصحف سترقم بعلامات مختلفة وهذا مما لا شك فيه يؤدي إلى الخلط والتشويش على القراء، ومنهم من يرفض علامات الترقيم بحجة وضع الكفار لها، ويجد حرجاً في استخدام ما وضعه الكفار - ولا أدري تبريراً لهذا فربما كان الورق والحبر وأشياء أخرى قد صنعها الكفار وهي تدخل في طباعة المصحف.
الأمر الذي أراه على درجة من الأهمية هو ماذا يصنع واضع علامات الترقيم أمام احتمالية تعدد المعنى ولا سيما في خروج الأساليب عن بابها، فمثلاً في قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} هل يضع علامة استفهام أم نقطة، على اعتبار أن «ما» من المحتمل أن تكون استفهامية، فيناسبها علامة الاستفهام (؟)، وقد تكون مصدرية فيناسبها علامة النقطة (.)، وكذلك قوله تعالى: {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} بين علامة الاستفهام والتعجب.
وأحياناً يخرج الأسلوب عن بابه كما في قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ...} فليس المقصود هنا الاستفهام على حقيقته وإنما المقصود التعجب وكذلك قوله تعالى: {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}، وكذلك خروج الاستفهام إلى النفي كما في قوله تعالى: {فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ} فهل هنا بمعنى «لا» فماذا نكتب من علامات الترقيم هنا؟ أم أنه يتوجب علينا ترك هذه العلامات كلية.
أما الذين يؤيّدون هذا المشروع وهم كثر، فحجتهم في ذلك عدم وفاء علامات الوقف والابتداء بإيصال المعنى كاملاً إلى القارئ، وأن عدم الالتزام بعلامات الترقيم قد يصل بالمعنى إلى درجة التشويه، ويذكر في هذا أن علامات الوقف والابتداء الراجح فيها أنها ليست توقيفية وإذا صح هذا؛ فليس هناك مانع من تطوير الأدوات التي تساعد على فهم كتاب الله تعالى ما لم يؤد ذلك إلى لبس واختلاط في التفريق بين الكلمات وعلامات الترقيم.
أتمنى من الجهات الأكاديمية كأقسام اللغة العربية، والجهات التي لها صلة بالقرآن الكريم دراسة وتفسيراً وطباعة أن تتبنى هذا المشروع وتقوم بدراسته بتأنٍ - تأييدًا أو معارضة - وموضوعية بما يحقق الخدمة الكاملة لكتاب الله عزّ وجلّ ولا سيما للناطقين بغير العربية، والله أعلم.
* أستاذ النحو والصرف والعروض المشارك
Abeed1974@hotmail.com
* جدة