أدهشتني «فاطمة»، تلك الفتاة المذهلة!
كانت تقضي أيامها بروحٍ مرحة، وقلبٍ نابض بحبٍ لا ينقطع...
كلما قابلتها ازددت تعجباً!
دخلت عليها ذات يومٍ ماطر، وهي في نقاشٍ حاد تعالت فيه الأصوات مع والدتها.
سألتها: ما بكم يا خالة؟
ردت عليّ: لقد تعبت من محاولة إقناعها، فهي لن تتغير!
طلبت منها الهدوء، وتركنا لبعض الوقت للحديث على انفراد، فما تأخرت بالمغادرة وبدأت في سؤالها: ما بكِ؟
فأحدقت عيناها فيّ مبتسمة، وأخذت بالضحك المتوالي الذي جعلني أشاركها فيه.
ثم صمتت لبرهة وبدأت بالحديث...
«صديقتي العزيزة، لم أفعل شيئاً سوى أنني رفضت الذهاب للتسوق كعادتي! ووالدتي فشلت في إقناعي، فهم يظنون أنني لا أهتم! قضيت سنوات ولم تتغير طباعي، فهذا أنا كما أنا! لا أريد الذهاب لأنني سعيدة بذلك، لكنهم لا يفهمونني».
سأخبركم عنها: كانت تواجه كل ما يمر بها من أحداث بصبرٍ عظيم مغلف بابتسامة جميلة، تساعد هذا، وتعين ذاك... تقوم بكل ما يحتاجه المنزل من أعمال، ولا تنسى وصل الجيران والأقارب. لا تطلب شيئاً، ولا تُكلف والدها أو والدتها بشيء. لم تكمل دراستها لظروفها الصحية، تهب ما تملكه لغيرها. تأخذ القليل وترد بالمقابل الكثير، فكانت نسمة البيت وحبيبة إخوتها، فلم يكن على لسانها إلا كلمة واحدة: «لا تقلقوا علي! فغداً تكون سرمدية».
هذه الكلمات لم يرغبوا في البحث وراءها، لم تلفت انتباههم إلا بعد أن فُجعوا بوفاتها!
نعم يا فاطمة، إنها كذلك!
لم ترجُ من متاع الدنيا شيئاً، وكانت نظرتها للسرمدية، فأحسنت في أعمالها لأن يقين الرضا ارتفع بها لأعلى الدرجات... قبلت القليل، وكان الكثير غائباً عنهم.
** **
- زايده الحقوي