تعد الهوية الوطنية مزيجًا من العناصر التي تشمل اللغة والثقافة والوطن والعادات والتقاليد والقيم المجتمعية والرموز الوطنية والتراث التاريخي. وهي عناصر تربط الأفراد ببعضهم البعض داخل إطار دولة أو مجتمع محدد. ولهذا السبب، تعتبر ترجمة الهوية الوطنية عملية معقدة تهدف إلى تقديم صورة متكاملة ودقيقة عن ثقافة وقيم وتاريخ أمة للشعوب الأخرى.
هذه الترجمة لا تقتصر فقط على نقل الكلمات، بل تتضمن أيضًا إيصال المفاهيم الثقافية العميقة التي تعبر عن جوهر تلك الهوية. وبالنظر إلى أهمية هذه العناصر، نجد أن إجادة المترجم للغتين لا تكفي، بل يجب أن يكون على دراية عميقة بثقافتي اللغتين المترجم منها وإليها، وأن يمتلك القدرة على فهم السياق والتعامل بحساسية مع المشكلات الثقافية التي قد تواجهه أثناء الترجمة. فالمترجم ليس مجرد ناقل لغوي، بل هو أيضًا وسيط ثقافي يحرص على ألا يفقد النص الأصلي دلالاته الرمزية وقيمته الثقافية.
تلعب الترجمة دورًا حاسمًا في الحفاظ على الهوية الوطنية ونشرها على نطاق أوسع. فهي وسيلة لإيصال القيم والتقاليد المحلية للعالم، مما يسهم في توسيع آفاق الفهم والاحترام المتبادل، بالإضافة إلى تعزيز التسامح وتقريب وجهات النظر بين الثقافات المختلفة. كما أنها تسهم في تحدي الصور النمطية والتصورات الخاطئة التي قد تتشكل عن المجتمعات، كونها تسمح لأفراد المجتمع بمشاركة قصصهم وإرثهم وثقافتهم، فيُسمع منهم لا عنهم.
ولأن ترجمة الهوية الوطنية عملية تهدف إلى نقل روح الأمة وعبق تاريخها وعراقة حضارتها و ثقافتها إلى العالم، كان من المهم أن تتولى الشعوب بنفسها مهمة ترجمتها، لأنها الأقدر على فهم عمق تلك الهوية بعناصرها الرمزية والتاريخية، وتمثيلها بأمانة وتقديمها بصورة دقيقة وشاملة، دون أن تتعرض لتحريف أو سوء تفسير من قبل أطراف قد لا تدرك التفاصيل الثقافية الدقيقة. ذلك لأن تلك الأطراف قد تقوم بترجمة النصوص بناءً على وجهات نظرها الخاصة أو باستخدام مفاهيم غير متوافقة مع الثقافة الأصلية. هذا قد يؤدي إلى تشويه الصورة الحقيقية للشعوب، مما قد يؤثر سلبًا على كيفية إدراك الآخرين لتلك الثقافة والهوية الوطنية.
ولعل أهم ما يمكن أن نقدمه لطلبة الترجمة أن نرسّخ شعور الفخر والاعتزاز في نفوسهم بهويتهم وثقافتهم وارثهم ولغتهم، حتى يتحصنوا بذلك في مهمتهم كحماة للهوية و سفراء للثقافة.
** **
- د. عبير الفيفي