المتتبع للسانيات العربية يلاحظ أنها تعيش تحت هيمنة مزدوجة: هيمنة التراث اللغوي العربي، وهيمنة الفكر اللساني الغربي الحديث، مما يجعلها تفرز أشكالا متعددة ومتناقضة من العوائق المادية والصورية. وينتج عن هذه الهيمنة مواقف متباينة في تصور طبيعة العمل اللساني العربي وهدفه، وهذه المواقف هي:
· التشبث بالتراث اللغوي القديم جملة وتفصيلا.
· التبني المطلق للنظريات اللسانية الغربية الحديثة.
· التوفيق بين التراث والنظريات اللسانية الحديثة.
ويحدد الدكتور مصطفى غلفان في كتابه اللسانيات العربية (أسئلة المنهج) جملة من المناهج اللسانية التي يمكن أن تسهم في تأسيس عمل منهجي منضبط في مجال البيئة الأكاديمية العربية المعنية بالعلوم اللغوية، وفي الفصل الرابع (أزمة اللسانيات العربية من خلال بعض الكتابات العربية) سيطرح المؤلف سؤالا عريضا:
ما أبرز آراء أعلام الدرس اللساني العربي في أزمة اللسانيات العربية؟
يرى محمود السعران: أن الفهم السيئ لمضمون علم اللغة، والخلط بينه وبين معرفة اللغة في الكتب اللغوية العربية القديمة من أهم العوائق والصعوبات التي تقف أمام نمو اللسانيات/ علم اللغة في الوطن العربي، فيقول: إن علم اللغة هو وجهة النظر الجديدة أو الفلسفة الحديثة التي حلت محل وجهات النظر القديمة والفلسفات اللغوية السابقة، وقد قدَّم مبادئ لا شك أنها أكمل وأصدق وأضبط، واعتمد على وسائل وآلات أدق مرات ومرات من وسائل الأقدمين وآلاتهم».
ويرى مازن الوعر: أن المنطلق الأول لبناء نظرية لسانية علمية يمر حتما عبر دراسة اللغة، والخطوة الأساسية لبناء أية نظرية لسانية علمية هي الانطلاق من لغة واحدة لمعرفة بنيتها وحركتها، ثم وضع النظرية الخاصة بها.
وللخروج بالبحث اللساني العربي من الأزمة دعا مازن الوعر إلى ما يلي:
- الاهتمام بعلم اللسانيات كعلم قائم برأسه في جامعات العالم العربي، ومحاولة توسيعه وتطويره، ووضع المبادئ الأكاديمية له، وجعله مادة مستقلة بنفسها.
- إنشاء كليات قائمة برأسها في جامعات العالم العربي تُدعى كليات اللغات والعلوم اللسانية الحديثة يكون فيها فرع اللسانيات قسما بذاته.
ويرى الفاسي: أن من عوائق الدرس اللساني تصور اللغويين العرب الخاطئ للتراث، والدور الذي يمكن أن يُسند إليه في إطار البحث اللساني العربي الحديث، فهناك ثلاثة أخطاء في تصور التراث ودوره في الدرس اللساني العربي الحديث:
- الاعتقاد بأنه لابد من توظيف التراث في بناء نحو يصف اللغة العربية.
- استحالة توظيف التراث في نحو اللغة الحالية؛ لأنه يؤدي إلى خلط بين نسقين مختلفين.
- اعتقاد أن الآلة الواصفة للغة العربية الحالية أو القديمة تحتاج ضرورة إلى الفكر النحوي العربي القديم.
ويرى عبدالسلام المسدي: أن قصور الأبحاث النظرية التي تقتصر على جانب التعريفات نتج عنه أن خَفِيت أبعاد البحث اللغوي المعاصر.
ويمكن أن نلخِّص رأي الدكتور مصطفى غلفان في نقاط، منها:
- عدم وجود رؤية نظرية أو منهجية محددة تجاه قضايا اللغة العربية التي يتعين معالجتها من منظور لساني، فينتج عن هذا قلة في الكتابات اللسانية الأصيلة والمبدعة القادرة على طرح قضايا اللغة العربية بشكل شمولي من منظور لساني يحدده إطار نظري ومنهجي منظم.
- انعدام برنامج لساني عام يحدد الأولويات، وما يتطلبه واقع اللغة العربية، وانعدام وسائل التعاون العلمي الجماعي في إطار مؤسسات قومية عربية مختصة أدى ذلك إلى تأخر الدرس اللساني العربي في مواكبة ما يجري على الصعيد العالمي.
- تجاهل المهتمين من العرب بقضايا اللغة العربية للنظريات اللسانية.
** **
- محمد الخنين
aooa14301@