يفضي ديوان الشاعر موسى عقيل «قلب الريح.. ليس معك» إلى حقيقة وجع الإنسان المسكون بالوعي، حيث تشع من القصائد سهام عذابات كثيرة أولها الطفولة التي تكتنز الفقد لحب أو للعبة على لسان شاعر ينظر إلى مكابدة والده الذي أثقلته الهموم والكدح ولم ينحن، بل لم تترقرق دموعه لفرط مكابرة استدركها الشاعر في فاتحة القصائد «الدموع بلا جسد»، وآخر هذه التأوهات غياب الأحلام الجميلة والوعود البريئة، ليَطوَّف بنا الشاعر بين برزخي الطفولة والكهولة وبما يحملانه من شجن جميل، وحلم بات يتهاوى ويرتحل كغيم البروق الْخُلَّبْ..
«قلب الريح ...» إضمامة من قصائد البوح اللاعج.. ذلك الذي يسم الأشياء بمهماز الوعي الحاذق حينما يبني «عقيل».. عاقل الشعر في القصيدة تلو الأخرى معادلة الوجود بين حياة وموت وبين طفولة وكهولة وارتحال وإقامة وأرياف ومدن وحب ولهو وما إلى تلك المقاربات الحية في الوجدان الذي تسكنه روعة الجمال في زمن تتهاوى أسس الوداعة، في ظل ضجيج لا يأبه بأي ملمح جمالي أو شجن وجداني:
«وألُمُّ وعثاء المساء
بمهجتي
فيفيق بين تغربي وشتاتي.
وتناثرت بين الرفوف مشاعري
وعلى معارج لهفتي كلماتي..»
فالريح الذي تنبأ فيه الشاعر «موسى عقيل» تواردت على هيئة حدس وظنون تسكن المخيلة وتقتات من فتات الكبرياء والولع الجميل.حتى يصاب القلب بعلة الفقد أو البعداء بعد قربى، لتتوقد في الذات الشاعرة جمرة الولع من جديد ليصنع الشاعر المفارقة ويبني من الهجس ذلك الوعد الهش بقرب اللقاء أو «الوصال» في حمى نزف الذاكرة من مآل الرحيل في القلوب حينما تعجز عن مناجزة الوعد، أو الأمل بلقاء الأحبة بعد عهد قوي على شاكلة التأمل في قصيدة «زمن التوسل» حينما يورد الشاعر ركاب ظنه وفاجعته بالوعد « الهيولا.. أو قبض الريح».
يستدرك الشاعر على سجية حزنه مآل الشعر الذي همز للبعداء حتى يبرع في استرداده بقصيدة «طفولة» ليخلق في هذا السياق استدراكا يشي بعوالم الطفولة التي تظل هي الهاجس الجميل رغم مرارات بعض أهلها في الأطراف النائية عن رغد عيش أو ملهاة مناسبة أو رِبَقةُ دعة وحبور تجسدها أمومة وادعة وأبوة تنضح من جزل العطايا ما يفيض على الطفولة وأهلها، غير أن الشاعر أدرك وبفطرية جميلة أن الوصف خير شاهد على مآل الطفولة في زمن يعز حتى على الأسئلة:
«رَهْنُ الطفولة
لم يزل
يجلو الزحام بقلبه
في أُمَّةٍ متطفلة»
فالشاعر بحق معني بتفاصيل حكاية الإنسان المبصر ببصيرة الوعي الذي يتوق إلى الحياة الهانئة، حتى وإن كان في استدعاء الريح للهرب فوق صهوته عن منغصات كثيرة صاغها وأوردها في إضمامة قصائده ساعياً بذلك للمواءمة بين واقع أليم وحلم نافر يسكنه البهاء الذي يحتاج إلى من يوقظه في الكثير من القلوب الهاجعة في ثنايا أبدية الصمت والوهن وخمول المعاني.
قصائد هذا الديوان رسائل عشق ومحبة لا تخلو من مكاشفة أو بناء قاعدة وعي يستدركها الشاعر ويثبتها بكل يقين حتى إننا نلمس من وحي القصائد أو من مفاتيحها الأولى أننا بموازاة فيض وجداني مقنن اختطه الشاعر بعناية ليساوق لنا الفكرة تلو الأخرى بهذا المزيج الوجداني والشعري والنقد اللاذع لحياة أرقته وباتت تسد عليه منافذ التفكير.
* * *
إشارة:
«قلب الريح.. ليس معك» - شعر
موسى عقيل
النادي الأدبي بالرياض - المركز الثقافي العربي 2010م
يقع الديوان في نحو (88 صفحة) من القطع المتوسط