ألقى أحد الرّفاق التقدّميين المناضلين خطاباً حماسياً في اجتماع ثوري صاخب تربَّع في تاريخ الأدب العربي المعاصر كباقة جميلة معطّرة بأعلى درجات البلاغة، ومزدانة بأروع سمات الفصاحة، وفوّاحة بندى الصباح البهيج، ومتأجّجة بأريج الزهور المتفتحة، وقد بدأ خطابه بقوله (تحية عربية رفاقية)، وختمه بقوله (دمتم للعقيدة والنضال)، ومن أهمّ ما جاء فيه:
1- إنّ صيرورة الفاعل الميتافيزيقي اللولبي الهَرْدَبَشْتي المسوكَف لا تكتمل إلاّ بأن يكون المُتَشوئل قومياً خالصاً لا ترهاتياً ولا انبطاحياً ولا زئبقياً ولا رجعياً.
2- تتواثب جماهيرنا المتدافعة في انفلاشات تهويميّة تفاخرية إلى الجو متفاعلة مع ثاني أكسيد الكربون، وفي سماحة دموية وأقبية مهفهفة تكسو أسقفها الثريّات الرومانسية المتأبّية على كل من قال (لا) حتى في تشهُّده في صلاة ممنوعة بقوة القانونسْت، وتزيّن جدرانها لوحات سريالية لأدوات التفكير المبتكرة في ظلال العَمْشَقيّات المُدَوْدَبة والانطراحات اللولبية المسطّحة بزوايا حادة تجرح الآبقين وتصون العاشقين.
3- إنّ تصفية الحساب من الوريد إلى السرّة وربما إلى ما تحتها بساطور الفكر التليد على مفاصل النضال الرائد، وتفتيت عَظْم الخزعبلات على جزيئّات المخيخ في المجامع الخنفشارية المتمشرجة بالمعجبين سَيُعَدُّ إنجازاً إلى تحت مليئاً بالكوانين المبعثرة في أرجاء الهواء المتطاير في دفء بارد وبرودة دافئة.
4- أؤكد لكم أيها المستعمون النشامى بضراوة، كأشاوس آخر حلاوة، أنّ اختلاط أوكسجين أول الليل بهيدروجين آخره سيُسفر عن قوة ساحقة متعالية في آفاق الوجدان القَرَنْبَعي المتفسّخ بالخلّ التقدمي، والمطرطش بالمخلّل القومي، والمبخّر بمادة إشعاعية فسفورية تُصنع منها القنابل الذرِّية التي ستدمّر المتفيهقين ثم تلقيهم بعد انفطاسهم في قاع البحر (الأسود) المتوسط.
5- إنّ الوصوليين الاتصاليين والانقطاعيين يحرصون على تغطية السماوات بالقباوات والكرشات والفوارغ والكوارع والرّوس والألمان والبيتزا والأزبكتا وبشَرَابَي الفشنْك والشّيح اللذين يكبّران الأذناب بالخِرَق، وهذه أكلات تآمرية ذميمة ومشروبات ظلامية متخلّفة، من موروثات العصر الإسلامي القديم المقيت الذي نكرهه ونحذّر من مأكولاته ومشروباته الضارة.
هل فهمتم - أيها القرّاء - الأذكياء شيئاً من هذا الخطاب التاريخي الرائع الذي يُعدّ قطعة نفيسة من الأدب السياسي النضالي العربي المعاصر؟
طبعاً لا، ولا أنا فهمتُ أيضاً!!
* أستاذ سابق في الجامعة