في البدء
الشعر، والمسرح، والرواية، والموسيقى هي صرخة روح الإنسانية التي تحاول أن تفهم نفسها، وتجعل معنى لعالمنا.
(لورا اليوت)
عندما انتهيت من قراءة رواية عشريني وأربعينك للكاتبة حنان المسلم تشكل أمامي سؤال وهو:
لماذا بدأت الكاتبة حنان المسلم حضورها الأدبي في المشهد الثقافي بإصدار رواية وليس مجموعة قصصية كما تم التعارف عليه، رغم أن لديها العديد من النصوص السردية المتميزة التي تشكل مجموعة قصصية؟ ولم تترك مخيلتي المندفعة للكاتبة فرصة الإجابة فأشعلت قناديل رؤاها الوردية، ثم ألقت علي ثلاث إجابات لسؤالي ارتدت صيغة احتمالات وهي:
الاحتمال الأول: ربما أرادت الكاتبة كسر القاعدة حتى لا تكون القاعدة عادة مقدسة، ويصعب تغييرها بعد زمن خاصة وأننا مجتمع نمثل تلبسنا مقولة (أن الأموات يحكمون الأحياء).
الاحتمال الثاني: حضور صوت الرواية في الوقت الحاضر والذي يعد أقوى تأثيرا من الأجناس الأدبية الأخرى في ذات القارئ وفي فتح آفاق وعيه وحثه على التأمل، وطرح الأسئلة وتغيير رؤيته الى الحياة.
الاحتمال الثالث: ربما تريد الكاتبة حنان المسلم الرد على الروائي الأرجنتيني (منول بغ) والذي يقول «أكتب الروايات لأنه يوجد شيء ما لا أفهمه في الواقع» وهي تكتب الرواية لأنه يوجد لديها فهم عميق لواقعها. لتزداد رغبتي بعد طرح الاحتمالات بالإبحار في عوالم رواية عشريني وأربعينك والتي تمثل إبداع لكاتبة اختارت طريق الكلمة المحفوف بالأشواك، والوعي، والحياة.
يجد القارئ في رواية الكاتبة حنان المسلم عشريني وأربعينك لوحة واقعية ممتلئة بألوان نارية تتحول إلى أفواه تطلق صرخات عديدة ضد عادات وتقاليد اجتماعية معتمة تقود إلى الأسى، حيث حاولت الكاتبة من خلالها أن تظهر إشكاليات مجتمعها بوضوح دون اللجوء إلى الرمزية، وقد أوضحت الكاتبة مسار روايتها والذي يتجه نحو المرأة، واستدعاء جراحها، ومناصرتها وذلك من خلال الإهداء (فضلت أن أهدي روايتي هذه لتلك النسوة الواقفات على قارعة الأحلام دون أن يتأوهن من عقارب الساعات اللاذعة لأجسادهن الضاجة بالحب والأمنيات).
تعالج رواية عشريني وأربعينك عدة موضوعات وإن كان عنوانها يشير للقارئ بأنها رواية رومانسية صرفة حيث أغرق المد الرومانسي الفصول الثلاثة الأولى منها، ولكنه يكتشف في الفصل الرابع أنها تلامس موضوعات عديدة منها العنف ضد المرأة - الزواج الجبري- الزواج من الخارج - التشدد الديني - الطبقية المجتمعية.
تدور رواية عشريني وأربعينك حول شخصية عواطف الحاصلة على شهادة القانون من فرنسا، والتي تحمل من العمر عشرين فصلاً ربيعياً، وأكثر من عشرين حلماً بهياً لنساء وطنها، عواطف فتاة متمردة، ضاجة بأغنيات الحياة، مختلفة عن الأخريات لديها ثقة في قدراتها، وفي تفكيرها، ولديها رغبة في تغيير مجتمعها إلى الأفضل. تلتقي عواطف برجل أحلامها وهي عائدة من رحلة غربة، يكبرها في العمر، وتكبره في الأمنيات لتبدأ الساردة في إقناع القارئ باستحقاقية عواطفها المتدفقة له، وليغيب فارق العمر حيث تظهر الساردة صورة الحبيب في الرواية رجلا بهيا من وطنها، ممتلئاً بتفاصيل الوطن، وله سحر عينيه الدافئتين، يعمل في مجال الأمن، لتختار الكاتبة ملمحا جديدا في الرواية السعودية وتفتح شرفة على أبعاد شخصية رجل الأمن، وتكافئه بحب وتقدير بطلة الرواية.
قدمت رواية عشريني وأربعينك نماذج من الشخصيات التي جسدت أفكار ورؤى الكاتبة حيث يلتقي القارئ بعبير ابنة خالة البطلة التي تساهم في تنوير المجتمع وجميلة الشرارة الأولى في ظلم المجتمع وضحية العادات والتقاليد، ورزان السورية أم الأيتام والتي تحرك مياه بوابة الزواج من الخارج، وتبعات هذا الزواج، وعبدالمحسن الذي انتقل من التشدد الديني الذي غرسته أسرته ومدرسته فيه إلى النقيض وهو الإلحاد وهنا غاصت الكاتبة في أعماقه لتكشف أنه بلا هوية فهو قابل لاعتناق أفكار هدامة أخرى حيث يمثل عبدالمحسن تناقضات المجتمع فهو ضحية الأسرة والمدرسة، ورياح ضحية التشدد الديني الأعمى، كما يلتقي القارئ بصنيتان الرجل البدوي النموذج الذي بدأ يتلاشى في المجتمع السعودي قاهر المرأة، ومعذبها لتختم الكاتبة روايتها القصيرة بإبراز وجه الطبقية الكالح الذي لا يزال يختبئ في ذاكرة المدن الجبلية القلقة، ويطل من بين رمال مدن الصحراء الصامتة، ليكرس فكرة (وجدنا عليها أباءنا) والتي تخللت الرواية.
ملامح من الرواية
- اتسمت رواية عشريني وأربعينك بلغة شاعرية.
- بدأ كل فصل في الرواية باستهلال عاطفي.
- مثلت الرواية الاتجاه الواقعي.
- حددت الرواية ملامح أبطالها وزمانها وتركت المتلقي يستنتج مكانها.
- بطلة الرواية أكثر حضورا في الرواية من البطل.
مقاطع من الرواية
- أنا في الحقيقة أنثى متمردة على كل شيء ولكن بحضورك أتحول لقطة مطيعة جداً هادئة جداً (الفصل الثاني)
- أربعون سنة كافية لجعل الرجولة تكتمل فيه وقلبي لا يستمتع إلا بارتشاف الكؤوس المعتقة. (الفصل الثاني)
- تساءلت صادقة مع نفسي تصنيف أم السعوديين الأجنبية، يجب تصنيفها أجنبية أولا ثم أم تاليا (الفصل الرابع)
ذهب وترك قلبا غضا ينبض بحبه
* * * * * * * * * * * * * * * *
وكأنهم نسوا أن نصف زوجات القبيلة مجهولات النسب والمولد!
الفصل الخامس
فاصلة أخيرة
الكاتبة حنان المسلم تحايا بهجة لإبداعك وخطوات من نور باتجاه إبداع يفتح مزيداً من نوافذ الحياة ضد أبواب الموت.
* * *
• عشريني وأربعينك ( رواية) دار المفردات للنشر والتوزيع الرياض 1430هـ - 2010 م
- الدمام
Turk2010t@gmail. com