لا عمر للفكرة والفنان مؤول ذكي الالتقاط يجوز له باسم الفن استعمال تأويلاته في ترتيب لغة الفكرة من خلال مجموعة من التعابير الصورية أو الأدائية محققا رمزا فنيا عن فكرته.. لا عمر للرمز مادام محتما تواصله بالفكرة إنما بوجوده يفسح مجالا لأهداف معاصرة ورؤى ذاتية وفنيات عالية تتبدى في مقدار حجم التكييف الحادث فيما بين الفكرة ودلالتها.. الفكرة وظلها الصغير على الأرض.
مرت أزمان من محاولات الحداثة إلغاء الاشتغال على الرمز في العمل الفني - الأمر الذي فشل ليستكشف صمت الحداثة عن أن تقول مايبني - في ضمانة إجرائية محكمة للإعلاء من شأن النخبوية وإقصائها، هذه الحقيقة التي جعلت من الممارسات الفنية المعاصرة اليوم بحثا تطبيقيا حثيثا في استعادة ماهية الرمز للسير بالسؤال الأساسي للفن نحو سؤال التأويلية بصفته التفاعلية الحية والبانية. السؤال الذي من شأنه أن يضع الفن أمام اندماج حقيقي مع الرمزية كوسيلة لنقل الخطاب الفكري إلى مجاله التطبيقي ودفع الرمزية إلى استعادة مفهومها المركزي بما هي خلاصة ذرى الإبداع.
هذا ليس قولا في عمق الرمز والاشتغال عليه اليوم إنما يتوقف الحوار الفني المعاصر عند المنعطف الذي شهدته المسيرة الرمزية في سياقها الإبداعي عند المرحلة التي أصبح فيها التفكير فعلا فنيا والرمز بوصفه تعبيرا فكريا هو الصياغة الملزمة للخطاب الفكري الفني بما في ذلك ماشكله هذا الرمز من مراتب مختلفة في التعبير وفي المستوى الإبداعي الذي يمكن أن يدركه والطريق الذي يفتحه هذا للعجلة التأويلية الفنية والتي تجد غناها في الكثرة والتغيير.. الصفتين الأكثر مناسبة لإيقاع الحياة الآني. وللإحاطة بالتغير التأويلي للرمز الفني علينا إدراك أن العمل الفني بصيغته كرمز يظهر كموضوع للتأمل بجدية تتطرف للفكرة من وراء الفن نفسه. تأمل يقصد مجاوزة الشكل الظاهر إلى المستوى التأويلي له في مرحلة يصبح الفنان والمتلقي فيها في مستوى من التفكير واحد دون أي تلميح بالعدل المفترض فالأمر في المساحة التذوقية له كامل الديمقراطية في مدى قبول الرمز أو رفضه أو تكييفه للحالة الفردية للتلقي. هذا وإذا كانت المعاصرة قد أضافت شئيا من الحياة الواقعية على الرمز الفني بعد أزمان استقى الفعل الفني رمزيته فيها من الأساطير والأبعاد الميتافيزيقة فإن دور الرمز في ترجيح معاصرة العمل ونقله من منطقة الحداثة العدمية إلى ما بعدها إلى ما بعدها له الأثر الأول في تثمين قيمة العمل. فمساحة التأويل التي يتركها العمل برمزيته ذات دلالة عميقة على تطوره بما يتناسب و قياس العمق الرمزي بالحوار والجدل التأويلي الذي يحدثه العمل. هذا هو معيار نجاحه كرمز لعمل فني معاصر.
إن التفكير بالرمز الفني بذاته منفصلا عن الطريقة التي تم التعبير بها عنه. هو دفع باتجاه مرحلة تذوقية جديدة تفترض أبعادا مختلفة لتلقي العمل الفني. بعد يتعلق بالفكرة وبعد يتعلق بتكييفها في الرمز وبعد تطبيقي يجمع كل ذلك وبعد يتعلق بالهدف أو الوعي الذي صاغ الرمز ونقل الفكرة للتطبيق ومدى المطابقة الناجحة في تمرير هذا من خلال العمل الفني.
الرياض