ألوان.. وأضواء.. وظلال.. وكتل.. وفراغ، تجتمع تارة.. وتتبعثر تارة أخرى بفوضوية الفنان المعهودة.. فوضى محببة منظمة، تنطلق من قدرات موهبة إلهية، مكنته من الإبداع بمزاجية نابعة من تجربة عميقة، تكيف بها مع الواقع، وأعاد تشكيله في منتجة التشكيلي بمنظور جديد، يقتنص العناصر من مختزل إلهامه وكنوز مدركاته البصرية، فيحيل اللوحة أو المنحوتة برؤيته إلى رؤى مغايرة لما يراه الآخرون، جاعلاً من تلك الخبرات وسيطاً بينه وبينها فأعاد تركيب كيميائية جسدها بما ينطبق مع ذائقة المتلقي لتصبح عالماً أكثر جاذبية وإدهاشاً، يتعامل مع خطوطه وألوانه بين بساطة السهل الممتنع، أو اندفاع وعنفوان.
بين هذا وذاك تكمن قوة وجدانية تحلل وتخطط لكيفية إعادة صناعة الفكرة بتحويلها إلى رموز ودلالات وصولاً إلى مرحلة التنفيذ، مستبقاً ذلك برصد مبكر للتعامل مع لغة التواصل بين مخيلته المتأججة وعين الناظر المترقب. هنا تلتقي كل خيارات المبدع طبقاً لثقافة المتلقي وموازاتها لمفهومة الإبداعي، بعد مرورها بمراحل إقدام وانكفاءة، تثير توتراً محموداً يحرض على الإبداع والعطاء للخروج من اعتبارها عبث إلى الاعتراف بها.. حرية تعبير.
من هنا واستكمالاً لما تطرقنا له الأسبوع الماضي باستعراضنا لمجموعة من الإبداعات الحديثة لنخبة من أجيال الفن التشكيلي السعودي يسرنا أن نقدم نخبة جديدة تميزت لوحاتهم بقدرات جعلت منهم رموزاً للحداثة في اللوحة المحلية استحضروا اللون كقيمة والخطوط كبناء ووازنوا بين الكتلة والفراغ لتأليف مشهد مرئي من غير المرئي يحمل روح الواقع بتكوين جديد، لم يعد الواقع لديهم يشكل تلك الخاصية الجمالية التي تقف عندها حدود اللوحة بل أصبحت اللوحة حالة تعبيرية حسب متطلبات الفكرة. البعض منهم يرى أن دور الفكرة يقتصر على المشهد الغني والجميل، والبعض يبحث في أعماقها وأبعادها الداخلية، للانتقال من حالات التوتر والقلق والاضطراب الجمالي قبل وخلال التنفيذ إلى حالات التوازن والاستقرار.
يتلمسون سبل البحث عن مصادر الإلهام عالمهم الداخلي (الإنساني) بين الشكل والفضاء المحيط به، هاربين من قيود النمط الأكاديمي إلى ما هو أكثر حرية وإتاحة للتعبير عن الانفعال، باتجاه الإيحاء اللانهائي من مؤشرات ومؤثرات اللاواعي في المخيلة مؤمنين بأن الآراء تجاه إبداعهم نسبي لا تحده قوالب تسجن ماهية الجمال. يسقطون على اللوحة أسمى حالات القلق والتمرد المرغوب، الدافع للتجلي والإحساس بالجمال الحقيقي. يبحثون عنه في ثنايا القبح العام الذي يعيشه العالم وأحياناً يسقطون عليها أوجاعهم واستياءهم.
ضيوفنا لهذا الأسبوع هم مبدعون غنيون عن التعريف مهما اختلفت أجيالهم وتنوعت خيراتهم إلا أنهم بالفعل أحدثوا ثورة إبداعية غيرت كثيراً من مفهوم العمل الفني نحو أبعاد أكثر عمقاً وشحذاً لكنوز بحور الجمال الذي تميزه العين ويدركه العقل هؤلاء الفنانين هم: عبدالله الشيخ، عبدالرحمن السليمان، زمان جاسم، مهدي الجريبي، محمد الغامدي.
monif@hotmail.com