وتعتقد الإيكونوميست أن أحد أهم أسباب قرار بيع “بارنز آند نوبل” هو أنه سيكون من الأسهل عمل إعادة هيكلة شاملة وقاسية للشركة بهدف الدخول في رهان مستقبلي كبير على تجارة الكتب الإلكترونية التي توجد إرهاصات حاليًا تشير بقوة على أنها ستهزم وتقضي على الكتب الورقية في المستقبل القريب، في الغرب على الأقل. فاستثمار قادم ضخم في نفس مسار الشركة الحالي لا يتسق مع هاجس قصير المدى لرفع قيمة السهم في البورصة. وتشير إيكونوميست إلى أنه بالرغم من إطلاق “بارنز آند نوبل” العام الماضي جهازها الخاص لقراءة الكتب الإلكترونية “ذا نوك” The Nook لمنافسة جهاز “كيندل” الناجح الذي استحدثته “امازون دوت كوم” ومنافسة جهاز “سوني ريدر” وأيضًا لمنافسة جهاز “أبل آي باد” الجديد، فإن على “ بارنز آند نوبل” أن تكافح بقوة للاحتفاظ بموقعها فيما يبدو من المؤكد أنه سيكون سوق الكتاب الجديد في المستقبل.
وتؤكد إيكونوميست أن صناعة النشر الورقية التقليدية تمر في “مرحلة انتقالية” بها تذبذب وتغير وتقلب نحو مستقبل مختلف ومثير تماما.
وتؤكد المجلة أن مكتبة “بارنز آند نوبل” تملك علامة تجارية محترمة وذات قبول عظيم، ولكن ذلك لا يشكل ضمانة للمواصلة والنجاة في مثل هذا الوضع الانتقالي المتقلب والمخيف لعالم النشر.
وتضيف إيكونوميست أن المكتبات التقليدية داخل مباني الطوب والإسمنت بدأت تصبح بشكل متسارع “موضة قديمة” على وشك الانقراض باستثناء اعتبارها أماكن ترفيه لتناول القهوة بهدوء وربما عمل حفلة توقيع على كتاب. مهما كانت شخصية الذي سيمتلك “بارنز آند نوبل”، فإنه سيواجه مهمة صعبة للغاية: التكيف بشجاعة وبثمن باهض مع عالم نشر جديد، أو إحالة “بارنز آند نوبل” إلى المتحف لتحفظ هناك كأثر تاريخي.
كان انهيار مكتبة بارنز آند نوبل هو الصدمة العنيفة الثانية لعالم النشر الغربي. أما الصدمة العنيفة الأولى فكانت قيام وكالة “أندرو وايلي” الأدبية المرموقة في يوليو 2010 التي تمثل أكثر من 700 من أبرز المؤلفين أو ورثة المؤلفين في العالم بإقامة “شراكة إلكترونية” حصرية مع مكتبة “أمازون دوت كوم” للنشر الإلكتروني تحت مسمى “طبعة أوديسي” Odyssey Edition لبعض عملائها من الكتاب المرموقين أو ورثتهم “متخطية” بصورة متعمدة العرف المعمول به في عالم النشر وهو أن تصدر نسخة ورقية فاخرة (هارد كوفر) للأعمال الجديدة وتليها طبعة شعبية (بيبرباك)، ثم يأتي في المرحلة الثالثة الكتاب الإلكتروني. ونتج عن تخطي مرحلة النشر الورقي عبر دور النشر التقليدية صدمة عنيفة ونوبة هلع لكبار الناشرين الغربيين بصورة - تقول الإيكونوميست- إنها أكثر رعبًا من أحدث رواية لستيفن كينغ ملك روايات الرعب الأمريكي.
وتم بالفعل تدشين وعرض أول 20 كتابًا إلكترونيًا من “طبعة أوديسي” بينهما للبيع في نهاية يوليو 2010 التي يمكن قراءتها باستعمال جهاز “أمازون كيندل”. وشملت “طبعة أوديسي” ما يعرف بالكلاسيكيات المعاصرة (مثل: “لوليتا” نابوكوف، و”خوف وكراهية في لاس فيغاس” لهنتر ثومبسون، ورباعية أبدايك “رابيت”) ومن المعروف أن وكالة أندرو وايلي الأدبية تعد من أهم الوكالات الأدبية في العالم وتحمل اسم مؤسسها الشاعر المغمور (ويقال الفاشل) أندرو وايلي الذي أسسها عام 1980 في نيويورك ثم افتتح فرعًا مهمًا لها في لندن عام 1996. وتمثل الوكالة حاليًا 700 مؤلف عالمي مرموق أو ورثتهم مثل: الكاتب الأمريكي الشهير الراحل جون أبدايك، والأمريكي فيليب روث، وورثة الروسي الراحل فلاديمير نابوكوف، وورثة الأديب الأرجنتيني الراحل خورخي لويس بورخيس، والهندي - البريطاني سلمان رشدي وانضم للقائمة مؤخرًا المصري علاء الأسواني. وقد اكتسب السيد أندرو وايلي شهرة كبيرة في كوكيل أدبي في أوساط المؤلفين عندما ساند معنويًا الروائي سلمان رشدي بقوة بعد فتوى إهدار دمه من قبل الخميني.
أمازون كيندل هو جهاز صغير الحجم ونظام حاسوبي لقراءة الكتب الإلكترونية وغيرها من الوسائط الرقمية كالصحف والمجلات الإلكترونية وأيضًا لاستعمال النت.
صدر الجهاز الأول في الولايات المتحدة في 19 نوفمبر 2007م. وتلاه عدة إصدارات أكثر تطورًا لقراءة الكتاب والمطبوعات الإلكترونية. ويتم تنزيل المحتوى الإلكتروني عبر إيميل المشتري أو بواسطة شبكة لاسلكية خاصة تُدعى: “أمازون ويسبرنت” وهي مجانية أي بدون اشتراك. سعر تنزيل الكتاب أو المحتوى الإلكتروني يعتمد على حجم الملف (بايت) ولا يزيد - بحسب بعض التقارير - عن 10% من قيمة الكتاب الورقي الفاخر (هارد كوفر) وهنا تكمن المشكلة القاتلة للكتاب الورقي.
توفر هذه الأجهزة أيضًا حرية الوصول إلى شبكة الإنترنت واستعمال الإيميل.
يتراوح سعر الكيندل بين 140-500 دولار بحسب نوع الإصدار، حيث يبلغ سعر أول إصدار (كيندل-1) 139 دولار فقط وسعر أحدث إصدار (كيندل-دي إكس) 489 دولار.
تعمدت “بارنز آند نوبل” عند تدشين جهازها “ذا نوك” تسعيره ليكون أقل من سعر الكيندل بعشرين دولارًا، ولكنها فوجئت عندما ردت أمازون فورًا وخلال بضع ساعات بتنزيل قيمة الكيندل 25% مما تسبب في زيادة الإقبال عليه بصورة هوسية أدت إلى إنتهاء الكمية من مخازن أمازون وأصبح هناك قائمة انتظار طويلة لشراء الكيندل حتى هذه اللحظة.
وفور الإعلان عن الشراكة بين وايلي وأمازن، صدرت بيانات شجب عنيفة من كبار الناشرين مثل “راندوم هاوس” الأمريكية و”ماكميلان” البريطانية. “راندوم هاوس” التي تأسست عام 1925 تعد أكبر ناشر في العالم للكتاب الورقي التقليدي.
وبلغ مجمل دخلها في السنة المالية الماضية تقريبًا ملياري يورو، وتمتلك أكثر من 60 دار نشر فرعية في أمريكا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلاندا وآسيا.
والمعروف أن “راندوم هاوس” تملك حقوق النشر الورقي للعديد من المؤلفين الذين تمثلهم وكالة وايلي وبعضهم صدرت بالفعل لهم “طبعة أوديسي” السالف ذكرها.
وأرسل ت راندوم هاوس رسالة إنذار واحتجاج غاضبة إلى أمازون تتحدى حقها القانوني في نشر وبيع تلك الأعمال التي قالت: إنها لا تزال تحكمها تعاقدات حية (نشطة) للنشر الورقي مع راندوم هاوس. وأضافت راندوم هاوس مهددة لوكالة “أندرو وايلي”: إنها مجموعتها “لن تدخل في اتفاقيات نشر باللغة الإنجليزية على مستوى العالم بأجمعه مع “وكالة أندرو وايلي” الأدبية حتى إيجاد حل مرض للوضع الحالي” وأشارت إلى أن قرار الوكالة بيع كتب إلكترونية حصريًا لأمازون لعناوين ماتزال تحت تعاقدات سارية المفعول للنشر الورقي مع “راندوم هاوس” يقوض التزاماتها طويلة الأجل واستثماراتها مع مؤلفيها، وتجعل الوكالة منافسًا مباشرًا لها.
وصرح المتحدث باسم راندوم هاوس أن القرار يسري على الكتب المستقبلية ولا يمس الصفقات التي تم توقيعها ولم تصدر بعد. واعترف المتحدث بوجود مخاطرة كبرى لراندوم هاوس في ذلك القرار ولكنه جادل أن المخاطرة ستكون أكبر على الوكالة وزبائنها الذين قد يخسرون منفذًا مربحًا لنشر أعمالهم مثل راندوم هاوس.
وأكّد المتحدث أن القرار لم يكن سهلاً مطلقًا ولكنه صدر بعد أن تم الإجماع عليه من الإدارة العليا للشركة الأم ورؤساء جميع الدور التابعة لها في أمريكا وبريطانيا وكندا وغيرها من البلدان.
وأكّدت الغارديان اللندنية أن قرار راندوم هاوس مقاطعة القائمة البارزة والمرموقة لعملاء وكالة وايلي بدا كأنه قرار “شبه انتحاري” لأن راندوم هاوس استشعرت خطورة الأمر وأخذت على عاتقها حماية عملية النشر الورقية التقليدية نيابة عن جميع الناشرين التقليديين لأنها أكبر دار نشر ورقي في العالم. وأضافت الغارديان أن “راندوم هاوس” اضطرت لأخذ هذا القرار الصعب “فورًا” بدون حتى الاجتماع مع “وكالة أندرو رايلي” أو “أمازون دوت كوم” نظرًا لخطورة هذه السابقة في عالم النشر التي قد تقضي قريبًا على الكتاب الورقي وتحيله إلى المتحف.
ولمعرفة خطورة هذه القضية ينبغي أن نشير إلى أن “أمازون دوت كوم” تباهت مؤخرًا وافتخرت في عدة بيانات صحافية بأنها صارت تبيع على موقعها الإلكتروني كمية كتب إلكترونية أكثر كثيرًا من الكتب الورقية المعتادة!
وأكّدت أمازون بفخر أنها تخطت “مليون” كتاب إلكتروني لكاتب واحد هو السويدي الراحل ستيغ لارسون مؤلف الروايات البوليسية الشهير، حيث تحطت مبيعات كتبه الإلكترونية مليون نسخة، وهذا رقم قياسي مذهل في النشر الإلكتروني شجع أمازون لوضع قائمة بست سيلر خاصة بكتب الكيندل.
وأضافت أمازون بفخر أرعب الناشرين أنها في النصف الأول من عام 2010، باعت 143 كتابًا إلكترونيًا (يقرأ على جهاز “كيندل”) مقابل كل 100 كتاب ورقي تقليدي من الطبعة الفاخرة ذات الغلاف الصلب (هارد كوفر). كما تباهت أيضًا أنها باعت أيضًا 180 كتابًا كيندل مقابل كل 100 كتاب من الطبعة الشعبية ذات الغلاف اللين (بيبر باك).
وتشير الغارديان إلى أن جوهر القضية القانوني هو حول من يملك حقوق النشر الرقمي (الإلكتروني) للعناوين الكلاسيكية القديمة أي التي سبق نشرها ورقيًا. فالناشرون التقليديون يجادلون أن حقوق النشر الإلكترونية تعود لهم لكونهم يملكون حقوق النشر الورقية. ولكن يرد ويجادل كل من المؤلفين والوكالات الأدبية -بحق- بأنه إذا لم يكن هناك نص صريح في العقد على هذا الأمر (أي كون الحقوق الرقمية تعود للناشر الورقي)، فإن حقوق النشر الرقمي تبقى أو تصبح تلقائيًا للمؤلف (وبالتالي للوكالات الأدبية لأنها هي الوسيط الذي ينوب عن المؤلفين في مراجعة وتسويق الكتب وتوقيع العقود في الغرب). وهناك قضية أخرى فرعية حول نسبة عوائد المؤلفين عن الكتب الإلكترونية. حتى الآن لم يعلق أي من المؤلفين الذين صدرت لهم “طبعة أوديسي” على الجدل. ولكن السيدة سوزان شيفر التي صدر لوالدها الراحل جون شيفر كتاب في “طبعة أوديسي” علقت قائلة: “لو كان أبي على قيد الحياة، لتمزق وبكى من الألم لنهاية الكتاب الورقي، لقد كان يحب دار “كنوبف” ودار “راندوم هاوس” بجنون، ولكنني شخصيًا بصورة عامة أؤيد كل رأي وجهد يزيد من عوائد المؤلفين”.
وتضيف الغارديان أنه نتج عن هذه المشكلة جدل طريف بين بعض المؤلفين البعيدين عن “طبعة أوديسي”، حيث انتهزوا الفرصة ليطلبوا بعوائد مستقبلية أكثر على الكتب الإلكترونية حددها البعض بضعف العائد المعتاد على الكتاب الورقي الذي يقدر بـ 25% وذلك بزعمهم لأن الكتب الإلكترونية أقل تكلفة كثيرًا في الإنتاج والتخزين والتوزيع من الكتب الورقية. وصرح جون سارجنت رئيس “دار ماكميلان” البريطانية العريقة في فرع نيويورك للغاريان قائلاً: “لقد فزعت من هذه الشراكة لطبعة أوديسي لأنها تقوي كثيرًا اللاعب المنافس الرئيس (أي أمازون دوت كوم) وتخلق عدم توازن في سوق الكتاب”.
وأضاف: “إنها صفقة استثنائية سيئة للمؤلفين والناشرين وبائعي الكتب وكل من يؤمن بوجوب توفر الكتب للقراء على أوسع نطاق. إنها صفقة تعطي أمازون أفضلية بالرغم من أنها بالفعل هي التي تملك الحصة الأكبر في السوق حاليا”.
الغارديان حولت الاتصال بالسيد أندرو وايلي للتعليق على الاتهامات وليجيب على التساؤلات ولكنه لم يجب، ولكنه أخبر نيويورك تايمز ببرود: إنه فوجئ بردود الفعل العنيفة من راندوم هاوس وماكميلان التي لم يتوقعها، وأكّد أنه لم يقرر كيفية الرد حتى الآن.
وأضاف: “أنا مثلهم أعشق الكتب الورقية ولكنني بالفعل اشتريت جهاز كيندل واستعملته لمدة ساعة فقط ثم وضعته في الخزانة ولم استعمله ثانية!!! سوف أفكر جيدًا في تحذير “راندوم هاوس” لأنه خطير علينا وعلى عملائنا، وسوف نعمل بجد لحل هذه القضية بأسرع وقت”.
كاتب ومترجم سعودي - المغرب
hamad.alissa@gmail.com