سألني الشاعر الشاب سعود بن سليمان اليوسف في رسالة الإلكترونية: هل عارضت سينية الشاعر البحتري؟ فأجبته: لم أتعمد معارضة القصيدة. فكان سؤاله دافعاً لإعادة قراءة سينيتي الشاعرين البحتري وشوقي، ولأكتب بعد فترة هذه القصيدة.
ليَ قدسان يا مصاباً بقدس
ليت يومي يثور من عزْم أمسي
إنَّ كوني أضحى ميادين حربٍ
بين نفسي – مثل البسوس - ونفسي
لي قدسان ما نهضتُ لإحدا
هما أخرى تلحْ لتنكيل بأسي
ليس يخفى خصمُ التَّعبُّد بل يخ
فى – يقيناً بعضي لأُبلى بوجْس
لهفةٌ للنفوذ يبعثها الضِّدُّ
فتُضحي ضرَّ الكرام وتُمسي
وعقوقٌ على الجذور تعالى
في غيابٍ وغفلةٍ وتأسِّي
أحرامٌ على بلابلي الدو
ح حلال للطير من كلِّ جنس]؟ [1]
غيَّروا كامل الملامح حتى
أصبح الحسنُ موحشاً دون لِبس
فلهمْ في ظهورنا نَهْشُ ذئبٍ
ولهمْ في والوجوه ألْينُ لمْس
أيُّ خيرٍ يُرجى من الحبِّ يبدو
ذا ولاءٍ لكنْ يُعاب بدَلْس؟
أيُّ سعدٍ نريد والقصدُ يأتي
عابساً واجماً بلاأيِّ حسِّ؟
أّيُُّ فوزٍ من الضياءْ سنلقى
وهوى الأوجِ ليلُ دَفرٍٍ بمَكسٍ؟
خطوة اليأس لن تنال ذرا اليأ
س إذا وطْؤها يصدِّع رأسي
يا معيباً من يشتكي من زمانٍ
ما شكا غير من صفاقة جِبْس
أصبح الذئب يحتذي حذو شاةٍ
لا لشيءٍ لكنْ أصيب بِبُخس
إنْ يدُ الجبن لا تطول جهارا
فهي في خفْيةٍ تُكِرُّ لتؤسي
فالكرام الكرام أهداف ضعفٍ
أينما يظهروا يُصابوا بدَسِّ
يجمل الحرُّ إن أصيب بضرٍّ
فهو أسمى من انحناءٍ لكرسي
كلما نزَّ في الحياة جميلٌ
قيل ماضٍ أولى بحرقٍ ورمْس
جاهد الله من أحالوا الإضاءا
ت دياجير بالمعاق بِطَمْس
وأرادوا البياض حجَّةَ حيْفٍ
حينما صار لامعاً فوق دَنْس
ما دروا أنَّ للحياة حدوداً
إن طغتْ أهلكتْ ذويها بعكس
ويح من صار لاخضلالٍ فلاقى
مجدباً لا يجود إلا بيُبس
صرفوا الماءَ عن مجاريه عمداً
فغدا في سوى المجاري لرجس
وبنوا من فم التَّباهي قصوراً
فشراً أصبحتْ تئن ببَلْس
أين ..لا أين للمحبَّة للأم
ن وللخير يا مريداً لأنس؟
ما إلى الشِّرق يا ولوعاً بشرقٍ
مسلكٌ آمنٌ ولا الغربُ يُنسي
والشآم الشأم مثل جنوبٍ
مثقلٌ بالهموم في كلِّ عرس
أينما تتجهْ يبادهْ بشيرٌ
ونذيرٌ أفواه أنسٍ وتَعس
لاختلاطٍ يقول لا لاتِّزانٍ
أصبح المزجُ غازياً كلَّ طقس
ما يديلوا- ليسعدوا- ليل سعدٍ
يجلبوا لو يعون أيام نَحس
فلكم باغت الأسى فرْحَ قومٍ
حوَّل الأنس من سرورٍ لبؤس
أنهكوا الوعظ لو أذيعَ لصخرٍ
أبهج الوعظَ باستجابة همس
ليس للبحتريِّ موئلُ شاكٍ
في زماني صدقاً يراه كشمس
هكذا الشَّعر كاللظى كم دهوا الشعْ
ر بنفيٍ أو أصدروا حُكْم خَرْس
كلما جاءَ نابعاً من تراثٍ
همَّشوه أو صار أولى بخنسِ
لا غريباً [أبا عبادة] من شا[2]
دٍ يعاني من تهمةٍ أو بهلْس
إنَّ يومي محاصرٌ بالرَّزايا
- لابتعادي- إذا بكيت لأمسي
يا زماناً تألموا منه لي في
ك ثناءٌ من خافياتِ الأخسِّ
ما رماني كفُّ السِّياسة في الجبِّ
رماني ختلاً فسوقُ المُجسِّ
أبذر الحبَّ كي أرى ثمراتٍ
فأرى الشَّوك جاحداُ كلَّ غرسي
لو تصير النفوس غايات نبضٍ
علويٍّ لم تنشطر أيُّ نفس
لم تشارك أسبانيا عشق مصرٍ[3]
وبشوقي حسنٌ لتلك يُقسِّي
فبأسبانيا المواويل تحلو
وهي من تملك الفؤاد بخَلْس
[وطني لو شغلتُ بالخلد عنه] [4]
لا سوى الخلد تسألُ الله نفسي
وإذا موطني يُغنَّى بقلبي
أمنياتٍ فما سواه بمُنسي
ما سلا في سواه بالي - فقد جرَّ
بتُ- لو يُطعم النعيمَ ويُحسي
إن أردْ غيره بديلاً لشدوي
يا حسوداً فقد أُصبتُ بمسِّ
لستُ ممن إن جاد يسلوا وإن لم
يشبِعُوا جسمَه العظيمَ برفس
فهو نبضي وسلوتي وملاذي
بعد ربي إن ضقتُ يوماً بِلَعْس
وهو عندي أجلُّ حبِّ تنامى
في فؤادي إلى تملَّك حسِّي
كلما أضرم العقوقُ.. مسيئاً
أُنشدُ الحبَّ من شذاه وأُخسي
وودادي يسري بغير حدودٍ
ونياتي بيضاءُ من غير ورْس
فإذا نصفيَ المعنَّى يقاسي
ليَ نصفٌ يشفي الجراح ويُكسي
ليت صفَّاً تغدو النفوس لنحيا
عزَّةً تهزمُ الشقاقَ وتُرسي
أمَّةَ الدين أمة الدين يكفي
ما دهاكم من اختلاف ونكس
جاوز البغيُ حدَّهُ ما تمادى
لو رأى الضدَّ وقفةً من مُحسِّ
سيظلُّ العدوُّ يفتك جهراً
ما ذوو الرَّدع أهلَ لهوٍ وجَرْس؟
يا ذوي الدِّين خصمكم جار حتَّى
شاء زوراً خير الأنام بمسِّ
ما كأن الوجود عمَّ اتِّحاداً
من ضياءٍ ولا سما فوق أُسِّ
ليس إلا بوحدة الصفِّ نعلو
فوق طاغٍ ونحتوي كلَّ قدس
***
1- البيت للشاعر أجمد شوقي مع تصرف بسيط
2-أبو عبادة كنية الشاعر الكبير الوليد بن عبيد الطائي المعروف بالبحتري رحمه الله
3- الشاعر الكبير أحمد شوقي رحمه الله
4- الشطر للشاعر أحمد شوقي رحمه الله
17-10-1431ه
dammas@hotmail.com