في عصرنا الحالي، تبرز قضية التنوع والاندماج الثقافي كواحدة من القضايا الأساسية التي تواجه مجتمعاتنا العالمية.
ويعود السبب في أهمية هذه القضية إلى التحديات الكبيرة التي تنطوي عليها المجتمعات متعددة الثقافات، والتي تتطلب منا التفكير العميق والعمل المستمر للتعامل معها بشكل فعال.
أحد أهم جوانب التنوع الثقافي هو التفاعل الإيجابي بين الثقافات المختلفة؛ وذلك من خلال التفاعل، بحيث يتمكن الأفراد في كل مجتمع من فهم بعضهم البعض بشكل أفضل، ويتم التعرف على قيم وعادات وتقاليد المجتمع الآخر والتي يتبناها كل فرد في هذا المجتمع.
وكمثال تقريبي:
بفضل وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة التي قربت لنا البعيد، كان من أبرز ثمارها المحمودة حدوث ذلك التحول الشديد والانصهار العجيب والاندماج بين مجتمعات كانت مختلفة الثقافات عن بعضها البعض، والتي قد تكون في بلد واحد ولكن لكل منطقة ثقافات وعادات مختلفة. وبعد حدوث ذلك الانصهار العجيب، نتج عنه «التقبل للآخر» بفضل هذا التقارب! وأعني بذلك تقبل الاختلافات الثقافية التي كانت في عهد مضى معدومة إلى حد ما تقريباً.
فكم كنا سابقاً نسمع عن النفور بين الثقافات المختلفة في المجتمع الواحد (والتي قد يصل بعضها إلى السخرية من ثقافة المجتمع الآخر) بل وعدم تقبل كل منهما للآخر، وذلك في ظل عدم توافر وسائل تواصل جيدة بين المجتمعات في ذلك الوقت.
ولهذا كان من أبرز الإيجابيات لوسائل التواصل الحديثة حدوث الاندماج الثقافي وتقبل الأفراد والمجتمعات لبعضهم البعض بسبب التقارب الشديد عبر هذه الوسائل الحديثة.
وهذا يذكرنا بالمثل الذي يقول: «الناس أعداء ما جهلوا!»
أي أن الإنسان بطبعه يتعامل بشكل عدائي مع من لا يعرفهم.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن هذا التفاعل والتقارب بين الثقافات والمجتمعات المختلفة يساهم بشكل كبير في تعزيز الاحترام المتبادل وتقدير الاختلافات، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر تلاحماً وتعايشاً (تعايشاً سلمياً).
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات التي قد تعترض الطريق نحو التنوع الثقافي الفعال والمثمر.
ويعتبر التمييز والتفرقة العنصرية من أبرز هذه التحديات، والتي لا تزال لها جذور لم تختفِ بعد؛ وإن كانت أقل بكثير مما كانت عليه في عهد مضى. حيث يمكن أن تؤثر هذه العنصرية بشكل سلبي على فرص الأفراد ومشاركتهم الفعالة في المجتمع،
وبالتالي، يجب علينا جميعاً العمل على تعزيز الشمولية والعدالة الاجتماعية، وضمان فرص متساوية لجميع أفراد المجتمع بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية.
وبمواجهة هذه التحديات، تأتي أهمية التعليم والتثقيف بدور حيوي.
ويمكن للتعليم أن يساهم ويغرس في نفوس النشء تعزيز الوعي بأهمية التنوع الثقافي والمساواة، وتعزيز قدرات الأفراد على التفاعل بشكل إيجابي وبناء علاقات تعاونية مع الآخرين.
كما يمكن أن يلعب القادة الاجتماعيون والسياسيون دوراً حيوياً في تشجيع السياسات والمبادرات التي تدعم التنوع وتعزز الاندماج الثقافي في المجتمعات.
في الختام، يظل التنوع والاندماج الثقافي تحدياً مستمراً يتطلب الالتزام والعمل المشترك من الجميع. من خلال تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل، ومكافحة التمييز والعنصرية، يمكننا بناء مجتمعات أكثر شمولية وعدالة، حيث يشعر كل فرد بالانتماء والاحترام والتقدير للآخر المختلف عنه.
** **
- ابتسام عبدالعزيز الجبرين