في الثامن عشر من ديسمبر عام 2012، تمكن دبلوماسي سعودي ذو خبرة محدودة من تبني قرار دولي لإنشاء احتفالية سنوية في هذا التاريخ، لتصبح مناسبة عالمية تحتفي باللغة العربية. لم يكن هذا الدبلوماسي متخصصا في اللغة العربية، ولكنه كان عاشقا لها، مؤمنا بأن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل فحسب، بل هي تجسيد للهوية ومكون أساسي من مكوناتها. ويعبر عن هذه الاحتفالية بقوله إن الهدف لا يقتصر على الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية في موعد محدد، بل يسعى لإشاعة شعور الفخر بلغة القرآن الكريم، لغة أهل الجنة.
ويؤكد هذا الدبلوماسي السعودي أن اللغة العربية، رغم حمايتها من الاندثار بفضل القرآن الكريم، إلا أنها ليست بعيدة عن خطر الإهمال والتهميش في العالم؛ بسبب تجاهل أهلها لها. وطرح تساؤلا للعرب جميعهم: لماذا لا يشعر الإنسان العربي بالفخر عند استخدام لغته العربية كما يفعل الفرنسيون والإسبان والصينيون؟ ليجيب سريعا عن سؤاله، متسائلا: هل تعود الأسباب لتحقيق ذلك إلى الهزيمة السياسية والتنموية، أم أن الأبعاد الاقتصادية تؤدي دورا أكبر في التأثير؟
وأشار هذا الدبلوماسي إلى أن أبرز عيوب اللغة الفرنسية يتمثل في كون مرجعيتها تقتصر على دولة واحدة، هي فرنسا، مما يتيح لها القدرة على تعديل وإضافة وحذف والدفاع عن لغتها بحرية. في المقابل، يعد أسوأ ما يميز اللغة العربية أنها تستند إلى اثنين وعشرين مرجعا (دولة)، وكل منها يدعي أنه الحامي الأوحد للغة القرآن الكريم.
نظرا لعمله في السلك الدبلوماسي، يكشف عن أن المحافل الدولية، عند الإشارة إلى اللغات الست المعترف بها، تبرز الدول الناطقة بالفرنسية حيث تتفاخر بوجود عدد كبير من الدول التي تتحدث لغتها، لكنها تكتفي بالإشارة إلى دولة واحدة مرجعية. وعلى المنوال نفسه، يسير الإسبان والروس والصينيون. أما اللغة الإنجليزية، فقد تبوأت مكانة مميزة، حيث قسمت وصايتها بين دولتين عظميين، هما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
أما العرب، فإنهم يستعرضون الدول التي تتحدث لغتهم بفخر، ثم يذكرون بتفاخر كبير الدول (العربية) التي تعد مرجعا للغة العربية.
على الرغم أن التاريخ يعد الجزيرة العربية مرجعا أساسيا ومقياسا للغة العربية، حيث إنها مهد للمعلقات الشعرية، التي تعد معيارا كلاسيكيا للغة، فضلا عن كونها المكان الذي نزل فيه القرآن الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن العجيب حقا أنه قبل عام 2012م، لم تكن هذه الجزيرة العربية تملك أي مجمع يعتني باللغة العربية، رغم وجود أحد عشر مجمعا للغة العربية في بلدان مختلفة مثل (سوريا - مصر - العراق - لبنان - السودان - فلسطين - الأردن - الجزائر - تونس - المغرب – ليبيا).
في السنة التي اعتمدت فيها اليونسكو اليوم العالمي للغة العربية، تم تأسيس مجمع اللغة العربية في المملكة العربية السعودية، التي تعد مهبط الوحي وموطن المعلقات، ليصبح هذا المجمع منارة للغة العربية، ومرجعا لا غنى عنه لكل ما يتعلق بلغة الضاد في شتى أصقاع العالم.
يسرد الدبلوماسي السعودي رواية مؤثرة عن ذلك اليوم الفريد، حيث يذكر أنه في عام 2006 زار الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود عاصمة النور، باريس. هناك، التقى هذا الدبلوماسي الذي كان يحمل رؤية طموحة؛ إذ اقترح إنشاء برنامج يهدف إلى تعزيز اللغة العربية في أروقة اليونسكو، في ظل دوره كمندوب دائم للمملكة لدى هذه الهيئة الدولية. وقد أكد أن من أبرز أسباب هذا المشروع هو الضعف الذي تعانيه اللغة العربية بين مجموعة اللغات الست المعترف بها دوليا.
حيث قام الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- بتمويل البرنامج مباشرة بمبلغ ثلاثة ملايين دولار، ليشيد برنامجا يليق بعظمة اللغة العربية، ويمجد تاريخها العريق.
لكن طموح الدبلوماسي السعودي لم يقتصر على هذا البرنامج فحسب، بل بدأ يتحرك بفكر عميق نحو تأسيس ركيزة مؤسسية تعد دعامة قوية لهذه اللغة.
حمل هذا الدبلوماسي السعودي على عاتقه في أكتوبر عام 2012 م، خلال شغله منصب نائب رئيس المجلس التنفيذي لليونسكو، رؤية رائدة حيث قام مع عدد من زملائه مندوبي الدول العربية بصياغة مسودة قرار تدعو للاحتفال في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام. وقدم مشروع القرار باسم المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية، التي كانت تتولى رئاسة المجموعة العربية في ذلك الحين، ليعتمد القرار بالإجماع، مما يعكس روح التعاون والتضامن بين الدول العربية.
توجت احتفالية اليوم العالمي للغة العربية بأولى فعالياتها بعد شهرين من الاعتماد في ذات السنة، بفضل دعم كريم من برنامج الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- الذي يسعى لتعزيز مكانة اللغة العربية. وقد استمرت هذه الاحتفالات لتتجدد عاما بعد عام، حيث أبى الأمير سلطان -رحمه الله- إلا أن يستمر في دعمه السخي للغة الضاد، فمول البرنامج مجددا في عام 2015 م بمبلغ قدره خمسة ملايين دولار، ليعزز بذلك دعمه لبرنامج اللغة العربية.
وفي رسالة قدمها الدبلوماسي السعودي بمناسبة تأسيسه لليوم العالمي للغة العربية، الذي يصادف 18 ديسمبر من كل عام قال: قد تحلم أحيانا بحلم جميل، ثم تنتظر أن يتحقق الحلم كله أو جزء منه في أول يوم من الحلم، أو بعد شهر، أو بعد سنة.
احتفالية اليوم العالمي للغة العربية كان حلما في عام 2012 م، والآن أستطيع أن أقول إنه لم يتحقق نصف الحلم أو كله، بل تحقق ضعف ما كنا نحلم به حينذاك.
إنه الدبلوماسي السعودي البارز الذي تجسد حلم الأمة العربية بأكملها، حيث شغل منصب المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى منظمة اليونسكو في باريس من عام 2006 م حتى عام 2016 م. وقد حظي بلقب سفير السلام تقديرا لإسهاماته الجليلة في تلك الفترة. إنه الكاتب والمستشار الثقافي الدكتور: زياد بن عبدالله الدريس، الذي أضاء دروب الثقافة والحوار بسعيه الدؤوب.
** **
- ماجد بن عبدالهادي العرجي