الثقافية - علي القحطاني - كمال الداية:
غادر المشهد الثقافي الأديب الشيخ: إبراهيم بن محمد السبيل، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى نهاية شهر أغسطس المنصرم هذا العام بعد معاناة طويلة مع المرض، وقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي وسمًا شاركت فيه أقلام ثقافية بارزة رثت الفقيد، واستعرضت مناقبه في الميدانين: الأدبي، والاجتماعي، الثقافية رصدت في أبرز هذه التعليقات على موقع X، وقد عبر الناقد المعروف أ.د.عبدالله الغذامي، عن حزنه بفقد السبيل فقال: «إبراهيم السبيل، تغمده الله بجنات نعيمه ورضوانه رجل الخير والعمل الوطني، بدأ حياته مبتعثاً في الخمسينيات، وعاد ليخدم بلده بما أوتي من علمٍ ومن طاقة، ثم تحول للعمل الخيري، مسخراً وقته لكل متطلبات العمل الخيري، حظي بمحبة لدى الكل محبة استحقها وأصبحت علامة عليه».
يقول الأديب أ.حمد القاضي: «بين فترة وأخرى ينتزع الموت الغالين علينا ولا نملك إلا أن نتألم وندعو هاهو يأخذ عزيزاً فاضلاً إبراهيم بن محمد السبيل رحمه الله الذي أفنى عمره بخدمة دينه ووطنه ومجتمعه: وقتاً وعطاءً لم يشغله عمله الرسمي أو الخاص بحياته عن العطاء الاجتماعي والإنساني فضلاً عن عطاءات قلمه نثراً وشعراً، كان العمل الاجتماعي شغفه تأسيساً واستدامة أذكر كأنموذج أنه أحد مؤسسي الجمعية الصالحية الخيرية بـ #عنيزة بذراعيها: مركز المربي ابن صالح الاجتماعي ومركز الأميرة نورة بنت محمد منذ أكثر من 30 عاماً وظل فيها نائباً لرئيس مجلس إدارتها حتى رحيله، أسأل الله أن يجعل ما قدمه بسبيل الخير وخدمة المجتمع قربات له عند بارئه وأن يُصيّر قبره روضة من رياض الجنة جمعه الله بأبنائه وبناته وأسرته ومحبيه بجنة المأوى».
وتقول أستاذة الجيل د.خيرية السقاف:»إبراهيم بن محمد السبيل رحمه الله المربي، الشاعر، الرجل الصالح المعطاء، المواطن البار، رجل المواقف والطيبات، أب المميزات والفاعلين أدباً وعلماً وعطاءً وإيثاراً، وجعل مقره الفردوس الأعلى، فقده كبير، ليرضيه الله، عزائي للغاليات فوزية ووفاء وهناء، ولكل الأسرة السبيلية، ولرفقائه، ولنا».
فيما ذكر د.محمد المشوح جانباً من نشاط الفقيد على الصعيد الاجتماعي حيث يقول: «للشيخ إبراهيم السليل رحمه الله نشاط اجتماعي بارز، ومساهمات ومبادرات، وصدر عنه إبراهيم السبيل كما عرفته، تم تأسيس مركز الشيخ إبراهيم السبيّل للوثائق والمخطوطات بمركز المربي صالح بن صالح الاجتماعي، العزاء لأهالي عنيزة وأسرة السبيل في منطقة القصيم».
فيما عبّرت ابنة الفقيد أ.د.وفاء بنت إبراهيم السبيل عن حزنها واشتياقها لوالدها فقالت: «أول جمعة على وفاة الوالد الغالي #إبراهيم_السبيل اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله.. اللهم أنزله منازل الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. اللهم اجمعه بوالدتي #هيا_الخويطر في الفردوس الأعلى واجعلهما من الراضين المرضيين».
وقالت للثقافية: «والدي كان قدوة لنا في أخلاقه وتعامله مع الآخرين وغرس فينا حب العلم، وورثت عنه حب الأدب والثقافة».
وقد ترك الراحل الشيخ إبراهيم السبيل بصمةً واضحة في ميداني العمل الاجتماعي والأدبي، فمنذ سبعين عامًا وهو يقدم لوطنه الكثير، يقول عنه د.علي هاشم في كتابه: «إبراهيم السبيل كما عرفته»: «يقول الأستاذ / إبراهيم : إنه لا يعد نفسه، شاعراً أو موهوباً أو محترفاً وآراء مع الشعر وحال الشعر معه حاله ... سألته عن ... فقال لي :
غير ذلك لا أتذكر بالضبط بداياتي مع الشعر، وكل ما أستطيع أن أقوله إن الشعر هو جزء من حياتنا ووسيلة من التعبير عن مشاعرنا، به نعبر عن معاناتنا وبه نروح عن أنفسنا ونترنم أثناء قيامنا بأعمالنا فالعامل الذي يسوق الدواب التي تمتح الماء من البئر يسقي الزرع، وفي الجرن الرجال والنساء الذين يدقون» سنابل القمح تمهيداً لذرايتها واستخلاص الحب و فرق العمال الذين يحرثون الأرض بالمساحي تمهيداً لزراعتها، والحصادة، وعمال البناء، ومن يوالي النخل، والأم التي تهدهد طفلها تمهيداً لنومه، وربة البيت التي تدير الرحى لطحن الحبوب كي تعد وجبة أسرتها وغيرهم، وغيرهم ... كل أولئك يترنمون بالشعر بألحان تتفق مع طبيعة عملهم ينسيهم التعب ويطرد عنهم الملل.
إذن فالشعر من موروثاتنا الأدبية والشعبية حسب يتعامل معه كل حسب مستواه بالرواية والمذاكرة والمحاورة والإعداد.
عايشت زملاني ذلك في طفولتي وسمعت في المجالس مطارحات الناس وحفظت مع الأناشيد التي يلقنها لنا أساتذتنا في المدرسة بألحان مختلفة أثناء الطوابير الصباحية والمسائية .. وفي محفوظاتنا وقراءاتنا وما يقوم به أستاذنا تشجيعاً على قراءة صالح - رحمه الله - من تعليقات على دفاترنا شعراً .. بالإضافة إلى أن الشعر ومحاولة نظمه منذ أن كنا في المرحلة الابتدائية. من هنا تولد لديّ الميل إلى قراءة الشعر وحفظ بعض الأبيات والقصائد، فقد كنت أقرأ في جواهر الأدب وما يكتبه أساتذتنا من شعر بالفصحى أمثال الأستاذ صالح، والأستاذ عبدالله السناني، وبالعامية مثل الأستاذ عبدالمحسن الصالح. في البداية كنت أكتب البيت والبيتين بالفصحى والعامية، وحينما سافرت للظهران للعمل في شركة أرامكو كانت هناك بعض المحاولات لنظم الشعر العامي مع بعض الإخوان دون تدوين أو اهتمام بالحفظ نجود النكتة والتسلية، وإذا أرسلت رسالة لصديق أو للأهل أضمنها البيت والبيتين أيضاً ولكنها كلها لا تستحق التدوين أو الاحتفاظ بها.
وحينما عدت إلى عنيزة والتحقت بالتعليم كانت لنا فرص للرحلات البرية في نهاية الأسبوع وفي عطلات الربيع والعطلات الصيفية وخلال سهراتنا كنا نتطارح بعض الأشعار التي لا تسجل وإنما تنسى مع نهاية كل رحلة أوسهرة.
وفي حفلات المدارس والمراكز الصيفية وحفلات الأندية كنت أعد بعض المنلوجات أو القصائد الفكاهية بالعامية ليلقيها الطلبة خلال تلك الحفلات وأحياناً أعمل بعض المعارضات الفكاهية لبعض القصائد العربية ولكنها تنتهي بنهاية مناسبتها.
هكذا كانت البداية وواصلت ذلك مع مرور الوقت حسبما يمليه ظرف أو مناسبة، وتتطور مستوياتها مع زيادة قراءاتي في دواوين الشعر وما ينشر من قصائد في الصحف وما يكتبه بعض الزملاء والأساتذة، ولكنها تتركز على الجوانب الاجتماعية والإخوانيات وما أشبه ذلك. وكنت أحتفظ على شكل بالبعض وأهمل البعض الآخر وخصوصاً إنني أشعر أن ما كنت أكتبه ليقدم في الحفلات المدرسية والمهرجانات العامة أو ما قد ينشر في الصحف كان يلقى القبول وقد يكون محل الإعجاب في بعض الأحيان».
رحم الله الأستاذ إبراهيم السبيل وأسكنه فسيح جناته فقد كان رمزاً ثقافياً وفكرياً حمل على عاتقه هم خدمة مجتمعه، فرحل بعد رحلة السبعة قرون التي ملأها بالأدب وبالخدمة المجتمعية المتميزة.