الثقافية - عبد الله وافية:
صدر للكاتبة عهود عبد الكريم القرشي، ابنة الطائف، كتاب بعنوان (المحكوم عليها بالأمل) عن الدار الأردنية الآن ناشرون وموزعون. يقع الكتاب في 112 صفحة من القطع المتوسط، ويصنف ضمن أدب الرسائل وهو أدب تهتم به الكاتبة بشكل خاص، حيث كان كتابها الأول (رسائل حسب الرغبة) يندرج تحته.
احتوى (كتاب المحكوم عليها بالأمل) على 27 رسالة بعناوين لافتة مثل: ومن الشِعر رسولٌ بيننا- كحد بين دولتين - رسالة فراق بأثر رجعي - ما حيلتي أمام بواعث ندمك؟ وغيرها.
تبادلت الكاتبة الرسائل مع أحد الأدباء والذي رمزت له بالرجل النبيل، ونشرت سطور من رسائله تحت تبويب (من الصُحف المخبأة).
تنوعت مواضيع الرسائل، فعن هموم الكتابة إلى أماسي الشعر في فعاليات (الطائف عاصمة الشعر العربي 2022) ثم مراسلات في معارض الكتب في مدينة الرياض وجدة.
الفكرة
- (المحكوم عليها بالأمل) من أين انبثقت فكرة الكتاب؟
ولدت فكرة الكتاب بسبب تغريدة! كتبها الرجل النبيل ورددت عليها ثم تواصلنا واتفقنا على التراسل بغرض النشر لاحقاً، وأن ما يكتب على الورق يبقى على الورق. اخترنا البريد الإلكتروني وسيلة لتبادل الرسائل وانطلقنا في رحلة استمرت شهورًا عدة وأسفرت عن كتاب (المحكوم عليها بالأمل). لأسباب خاصة نشرت رسائلي فقط مع مقتطفات قصيرة من رسائل الرجل النبيل كي يتسق معنى الرسائل للقراء.
الرسائل
- كم المدة التي دارت فيها عملية تبادل الرسائل؟
بدأنا التراسل في شهر صفر 1444هـ واستمرت المراسلات حتى شعبان من العام نفسه.
هدف مؤجل
- النشر تاريخ يصعب محوه، هل خطر في بالك أنك تمنحين رسائلك الخلود بعد طباعتها؟
قبل نشر كتابي الأول كانت كلمة النشر كابوسًا مخيفًا، هدفًا مؤجلا. كنت أبحث عن الكمال قبل نشر الكتاب، وهذا أمر غير مُستطاع، لأن الكمال مُحال. تعلمت أن المهم في مسألة النشر اكتمال مادة الكتاب، لذا حين اكتمل نصاب الرسائل، واكتملت قوة العاطفة فيها، رأيت أنها مادة أدبية تستحق أن يكون لها بيت من غلافٍ وورق.
الخيال والواقع
- الرسائل بين الخيال والواقع: قد يتواطؤ القارئ في تخيّل الطرف الآخر، إلى أي مدى سيصبر قبل أن يبحث في ما وراء الرسائل؟
أحد الأصدقاء بعدما قرأ كتاب المحكوم عليها بالأمل أكد بأن الرجل نبيل محض خيال، وهمي، غير موجود على صفحة الكرة الأرضية. صديقة أخرى بعدما انتهت من قراءة الكتاب أرسلت تسألني من هو الرجل النبيل؟ هل أعرفه؟ اخبريني من هو؟
الواقع أن تكهنات القراء حق مشروع لهم، والبحث عما وراء النص هواية لا يمنعهم مانع من ممارستها.
العاطفة: وقود الكتابة
- هل أنتِ مع أو ضد، (العاطفة وقود الكتابة الأدبية)؟
بالتأكيد مع العاطفة، المعاناة، القلق دوافع أصيلة للكتابة. أنا لا أكتب على بند الترف.
الإهداء
- بالعودة للكتاب، لم يتضمن الكتاب صفحة اهداء لماذا؟
الصفحة الثانية من الكتاب بمثابة الإهداء، نعم خلت من كلمة «إهداء» ولكني اقتبست فيها سطراً أحبه من إحدى الرسائل، قلت: «السعداء مشغولون في سعادتهم، أما التعساء فيكتبون رسائل مطولة». فكتابي [المحكوم عليها بالأمل] إهداء لكل التعساء الذين يكتبون رسائل مشحونة بالعاطفة يطول فيها الحديث والأسى.
ثلاثون رسالة
- عنونة الرسائل تكون قبل أو أثناء أو بعد كتابة الرسالة؟
بالنسبة لي غالباً أكتب عنوان الرسالة قبل البدء في كتابتها، العنوان يُعطيني إطاراً للحديث. وقد يحصل أن أنهمر بالكتابة وأكتب العنوان قبل إرسال الرسالة وهذا أمرٌ نادر.
منذ أن بدأت مراسلات مع الرجل النبيل استحدثت مجلدًا على سحابة إلكترونية ووضعت لكل رسالةٍ ملفاً خاصاً بها. بلغ عدد الرسائل بيننا أكثر من ثلاثين رسالة وردها، اخترت منها سبع وعشرين رسالة وضمها كتاب [المحكوم عليها بالأمل].
النثر المتقن
- كيف اكتسبت هذه المَلَكة العجيبة في الانسكاب والانهمار النثري المتقن، والإمساك بزمام القلم، وصياغة النص بأسلوب أخَّاذ؟
حينما أكتب لا أنشغل كثيراً بالمبنى، تتكاثر الأفكار في ذهني وأريد اللحاق بها وإمساكها على شكل كلمات، لذا تجدني أكتب بشكل سريع كيلا تبتعد الأفكار عني. هاجسي إفراغ الفكرة على الورقة بالطريقة التي يراها الشعور مناسبة. أعتقد أن الانشغال لسنوات بالقراءة، القراءة وحدها هو ما ساعدني على الكتابة بالشكل الذي وصفته -إن كان كذلك.
أدب الرسائل
- أنت من القلائل المخلصين لأدب الرسائل، فما الذي شدَّك فيه؟
أن تكتب رسالة يعني أن ينظر قلمك لوجه شخص معين، كأن الكلمات في الرسائل حديث نفسٍ لأخرى. هالة الخصوصية التي تُحيط بالمعاني في الرسائل تأسرني. كما أني أحب الكتابة بضمير الأنا، وأدب الرسائل وحده من يضمن لي التحليق في فضاء الأنا الشاسع بلا حدود ولا قيود. تُخبرني أمي أنها تحتفظ بعدد من رسائلي التي كتبتها ذات طفولة. كما سبق وأن تبادلت مع إحدى صديقاتي رسائل ورقية في مرحلة الثانوية زادت عن مائة رسالة. أيضًا كتبت الكثير من الرسائل الخاصة التي ضمنتُ بعضها كتابي الأول بينما بقي الآخر حبيس مجلدات الكمبيوتر. وعاماً بعد عام اكتشفت أن ولعي بكتابة الرسائل ولعٌ فطري لا أتكلفه، ويأتي إلى فكري وكلماتي بكل بساطة ليفرض نفسه على قلمي.
أدب المراسلات
- ألا يعني هذا أن القراء أيضاً محدودون مقارنة ببقية الأجناس الأدبية؟
أدب المراسلات أدبٌ مظلوم وأنا نصيرته حتى يأخذ حقه من جميع الأقلام المُبدعة.
الرسائل المتبادلة
- عندما نقرأ (رسائل حسب الرغبة) كتابك السابق و(المحكوم عليها بالأمل)، نجد أنك تمشين في مسار قصة خلال الرسائل المتبادلة. هل هذا النفس السردي إرهاص لرواية قادمة خارج عباءة الترسّل؟
تُراودني فكرة كتابة رواية رسائلية. وأعتقد لو اشتغلت على محتوى [المحكوم عليها بالأمل] وحولته إلى رواية رومانسية رسائلية لزاد عدد قراء الكتاب وانتقل إلى منزلة السرد الروائي. كان بالإمكان عمل ذلك ولكن الأمر يحتاج لمزيد من الوقت والتفرغ، وأنا أسابق الزمن كي أنتهي من روايتي الأولى والتي بالفعل هي خارج عباءة الترسل كما وصفت.
الأجناس الأدبية
- هل جربت طرق أجناس أدبية أخرى؟
لدي مجموعة قصصية أتحفظ جداً على نشرها، لدي ثلاث روايات غير مكتملة بعضها تجاوز المائة صفحة، لدي رواية قصيرة جداً بعدما انتهيت من كتابتها رمضان الفائت حبستها في ملفٍ وتجاهلتها تماماً. لست راضية عن السرد الذي كتبته حتى الآن.
كما أن عالم المقال أخذني إلى نقطة أخرى لم أحسب أني سوف أعجب بها، الانطلاق في التعبير عن الأفكار والرؤى حول الروايات والكتب.
وعلى جانب آخر أسارع في نشر الرسائل بشكل ورقي أو إلكتروني. هل أنا مسكونة بحب الرسائل؟ ربما! ولكن الأهم بالنسبة لي أن أكون راضية عما أنشره وهذا ما لم يحدث مع القصة والرواية حتى الآن.
بالمناسبة أنا مُهتمة جداً بالرواية وما يتصل بها، ولكن أفكر كثيراً قبل أن أطبع رواية. أشعر أن من واجبي إما كتابة رواية جيدة جداً، أو التخلي عن الفكرة تماماً. محاولة كتابة رواية حكمٌ مسبق بعدم نجاحها. أن تكتب رواية يعني أن تتجلى في خلق الشخصيات والتعايش معهم حد المرض بهم.
الحراك الأدبي
- هل للحراك الأدبي في مدينة الطائف في العامين الأخيرين أثر على قلم عهود الكاتبة، خصوصًا أن كثيرًا من رسائل كتابك الأخير كتبت بعد مناسبات ثقافية شعرية أقيمت في مدينة الطائف.
أنا أدين بالكثير لمدينة الطائف ومثقفيها وأدبائها وشعرائها ولكل ما فيها. هم أول من ساندني، ووهبني فرصة الظهور في الفعاليات الثقافية. هم أول من قرأ لي وشجعني. لعل ذكر أسماء معينة أو مؤسسات ثقافية يطول ولكني أدين للطائف بالكثير. وقد ورد هذا في ثنايا الكتاب بشكل أو بآخر. فكل الرسائل كتبت على أرض الغيم، ومعظم الرسائل تعطرت بالورد الطائفي، وساعي البريد الافتراضي كان طائفي الهوى.
الرجل النبيل
- هل ما زال الرجل النبيل نبيلاً رغم انسحابه بشكل مؤثر في نهاية الكتاب؟
النُبل صفة مُتوارثة لا تُلغيها العاطفة ولا يمحيها توقف الرسائل
للحبر بقية
- (ما زال للحبر بقية) كانت هذه آخر جملة في كتابك، فهل هذا يعني أن هناك إصداراً ثانبًا يدور في محيط القصة نفسها «محور الكتاب» أم أن أدب الرسائل سيشهد منتجًا بنكهة مختلفة؟
بالنسبة للمراسلات مع الرجل النبيل توقفت بعدما أُثقلت بالعاطفة والعتاب.
بدأت بالفعل في كتابة رسائل إلى رجل الاحتمالات (رجل خلقه الخيال وسواه الأمل)، وكذلك تدور مراسلات بيني وبين أديب أطلقت عليه مسمى «نديم الرسائل»، لعلها حينما تزداد وتكثر تجد طريقها للحياة بين دفتي كتاب.