تعد رحلة المؤلف الألماني «شتيفان أورث، STEPHAN ORTH» الصادرة عن دار «Malik» الألمانية عام 2021، والتي عنوانها «رحلتي عبر بلد ما بين العصور الوسطى والمستقبل»، «Meine Reise durch ein Land zwischen Mittelalter und Zukunft» من أهم الرحلات المؤثرة والتي لقيت رواجا في المجتمع الغربي عموما، والألماني خصوصا. فالمؤلف شد الرحال إلى المملكة العربية السعودية في الشهور الأخيرة من العام 2019، وذلك فور إطلاق المملكة العربية السعودية التأشيرة السياحية التي كانت ضمن أهداف رؤية المملكة 2030، وكان من أوائل السيّاح المتقدمين عليها. قد أجرى المؤلف لقاءات متعددة لمناقشة الكتاب بعد صدوره، وتحدث عن الدوافع التي دفعته إلى القيام برحلته هذه، وكان من أهمها؛ أنه أراد استكشاف بلد يشهد تحولًا هائلا في جميع مجالات الحياة في ظل رؤية المملكة 2030، كما أنه أراد أن يخوض تجربة الانخراط والعيش في المجتمع السعودي -(الذي كان يطلق عليه في العالم الغربي «مجتمعا منغلقا» )- للتعرف عليه وعلى طريقة العيش فيه بشكل مباشر.
وقد تمكن من زيارة العديد من مناطق المملكة، ومحافظاتها، ومدنها، وقام بالتعرف إلى الثقافات المحلية المختلفة فيها. وقد استعان المؤلف في زيارته هذه وتأليفه الكتاب بتطبيق «COUCHSURFING» الذي وفر له استضافة عند عدد من المواطنين السعوديين في مناطق مختلفة من المملكة. وكان لهم دور مهم في تزويده بالكثير من المعلومات وفي تسهيل الكثير من أمور رحلته التي استغرت 9 أسابيع قطع خلالها 8689 كيلومترا، جوا وبرا وبحرا.
يتكون الكتاب من أربعة عشر فصلا، قسمت بحسب المدن والمناطق التي زارها. وداخل كل فصل هناك عدة عناوين فرعية مثل عنوان (قناة القرآن الكريم)، الذي شرح فيه للقارئ الألماني بعض أمور الدين الإسلامي، مثل: طريقة الحج ولبس الإحرام وكيف يكون. وفي عنوان آخر تناول موضوع تعدد الزوجات واعتمد فيه على تجربته مع مضيفه في تبوك حول هذا الموضوع. وهنا أيضا أخذ يتعمق في تفاصيل تعدد الزوجات، بحيث ذكر مصادرها وضوابطها وكيف تكون بتفصيل كاف واف، بحيث لا يجعل القارئ الألماني يخطئ في فهم الموضوع ويقدره بتقديرات خاطئة. وأخيرا ختم الكتاب بشكر جميع الشباب السعوديين الذين استضافوه، وأعانوه في رحلته للتعرف على المملكة العربية السعودية.
ومن خلال قراءتي لهذا الكتاب أود أن أورد بعض الملحوظات المهمة حوله:
يجب أن يُعلم بأن الكتاب لم يُكتب للقارئ العربي أو السعودي، وإنما كتب للقارىء الغربي عموما وللألماني على وجه الخصوص. فالكاتب كان يخاطب الألمان بشكل مباشر وبالطريقة التي تتناسب مع قيمهم وتفكيرهم. كما يجب القول بأنه التزم بالحياد والموضوعية في سرده إلى حد كبير ولم يتحيز أو يسخر، وإنما نقل الأفكار والأحداث بكل مصداقية ومن غير تدليس. ثم إنه أخذ يتناول المواضيع الشائكة والقضايا المتداولة في الأوساط الغربية تجاه الدين الإسلامي والسعودية، مثل تعدد الزوجات وغيرها من الأمور التي فصلها بشكل جميل ليفهمها المتلقي الألماني بشكل مباشر وسليم. وهذا ما كان مطلوبا بالنسبة لنا. والأمر الآخر هو أنه أورد العديد من الصور التي قام بتصويرها أثناء رحلته في الكتاب،
وعددها 60 صورة ملونة و47 صورة باللونين الأبيض والأسود.
وهذا العمل -من وجهة نظري- يسهل على القارئ الألماني تصور الأحداث وفهمها بشكلها الصحيح. ومما استحسنته أنه قد أورد في كل فصل من فصول الرحلة معلومة عن الإبل ومكانتها وأهميتها لدى السعوديين. وفي المجمل فإنه عندما يسرد أحداث رحلته في منطقة ما، لا بد أن يعطي معلومات -لا نبالغ إن قلنا- بأنها مفصلة بشكل وافٍ عن أهمية المنطقة في المملكة، وأهمية دورها على الصعيد الاقتصادي والصناعي والزراعي … إلخ أيضا . فعند تناوله للمعالم السياحية والتاريخية في زياراته على سبيل المثال، لا يكتفي بذكرها فقط، وإنما يفصل فيها وفي تاريخها وأهميتها أيضا. ولا شك في أن العمل في عمومه كان رائعا، ولكن لا بد من التنويه بأنه لم يحالفه التوفيق في التدقيق في شيء قليل من المعلومات، ولاسيما الدينية. وهذا يعود في رأيي إلى كونه ألمانيا وليس ابنا للثقافة.
وقد أورد الكاتب على غلاف الكتاب الخلفي قائمة سماها «أهم المفردات»، ركز فيها على أهم المفردات السعودية، المرتبطة بالملابس والأكلات والألعاب مثل الكبسة، والبلوت، والمجلس، والثوب، وأيضا الجنبية، وغيرها، ودعّم كل مفردة ذكرها بصورة من تصويره.
وقد حظيت هذه الرحلة -وهي آخر رحلاته- برواج واسع لكونه يلقي ندوات عديدة حولها، إلى جانب رحلاته الأخرى في بلدان مختلفة. كما أنه أخذ يناقش الكتاب في مقابلات تلفازية كثيرة أيضا. وربما تعد هذه الرحلة أول رحلة كتبت بالألمانية تناولت أبعادا كثيرة ومهمة للغاية حول المملكة وبأسلوب كثيف ومتوازن، منذ انطلاق رؤية المملكة 2030.
** **
- مشعل صالح الغامدي