يَسّابقُ الماءُ تلو الماءِ منطلقًا
إلى (الحقيقة)، يرويها فتنبثقُ
كانت وراء الهوى، لا عين تبصرها
مخبوءةً بحجابٍ ليس ينفتقُ
ولم تزل هكذا، فالذات حائرةٌ
تُري بصائرَها شيئًا! ولا تثقُ
تعيش في غرفات الغيبِ, حالمةً
ظهرًا لصدرٍ بذاك الوهم تلتصقُ
(والماء) يصعد للأعلى، ويملؤها
عشقًا، فينضح منه الحبُ والأرقُ
ينسى الذي في الهوى ما زال محتجبًا
وينتشي بالذي ترنو له الحدقُ
مسافرٌ نحو أجسادٍ، لها زمنٌ
في الغيّ، لكنّها بالغيّ تأتلقُ
نارٌ على ناره الصغرى، وليس دمٌ
يقول للناس ما في الجوف يحترقُ
ستأكل النار أرواحًا، وتكمل ما
يخطّه العاشقان الجوعُ والشبقُ
وتبتدي قصة الموتى، فألف يدٍ
تروي هنالك ما قد صاغه النزَقُ
أحياءُ في فمهم موتٌ يسامرهم
ويصطفيهم بلا وعيٍّ ويختلقُ
لا وعيَّ، كل غدٍ يحسو قريحته
وليس يدرك ما يُخفي له الأفقُ
وها هو الآن كالتاريخ منتصبًا
به الوقائع والأوهام والورقُ
* * *
ماذا تخبئ في أحمال رحلتنا؟
منك ابتدأنا وفيك الكل يختنقُ!
مهاجرون إلى الماضي، تراودنا
أحلامُ من دُفنوا فينا ومن سبقوا
كنّا هناك حقيقيّون في دعةٍ
والآن ماذا؟ خياليّون نحترقُ
قل الحقيقة، ما في الكون متسعٌ
سوى لأغنيةٍ يشدو بها القلقُ
** **
عبدالله ناجي